منذ علت صرخة الحرية في سورية، ازدادت الحركة الفنية تفاعلاً وحيوية. لم تقتصر المنجزات الفنية، منذ بداية الثورة على الكتابة والفن التصويري والتجريدي والسينمائي، بل ابتُكرت أيضاً فنون «جديدة» على الوسط الإبداعي، ولدت من الرغبة في التعبير، على رغم ظل الموت. لعله من الصعب حصر الأعمال الفنية السورية منذ بداية 2012، لكن المؤكد أن غبار الدمار لم يغطّ غريزة الإبداع. ففي حي الخالدية في حمص مثلاً، عملت مجموعات شبابية محلية، منها مجموعتا «أجيال الحرية» و «ائتلاف فجر» المدنيتان، على عرض مسرحي بعنوان «الغابة المهجورة»، في 26 كانون الثاني (يناير) 2012. كان المسرح بسيطاً، بلا ديكور ولا كواليس، لكنهم حاولوا تقديم همومهم وقصصهم، ليس للجمهور السوري فحسب، بل لرؤية العالم أيضاً. وصوّر الشهيد مظهر طيارة المسرحية التي بثّت على «يوتيوب»، ليصاب كاتب المسرحية في عينه، لاحقاً، وتحديداً يوم مجزرة الخالدية التي استشهد فيه مظهر. وشهدت خشبات مسرحية أخرى عروضاً فنية تحاكي معاناة الشعب السوري، ومنها مسرحية «جثة على الرصيف» التي عرضت في أيار (مايو) في دار الأوبرا، والنص للكاتب الراحل سعد الله ونوس، أعدّه باللهجة العامية السورية عمر سواح، ليتولى سينوغرافيا العمل وإخراجه أسامة حلال، وقدّمته فرقة «كون» المسرحية كعرض رمزي لطموح الإنسان السوري اليوم، وأحلامه. نقدية... حتى ما بعد الثورة وفي دولة مجاورة، اختلست فرقة «مصّاصة متة» الوقت والمكان لتصور جزءاً ثانياً من عرض الدمى «الشبيح الأول»، ناقدة وساخرة من الموت، كأحد أساليب المقاومة الفنية. وشارك في الكتابة الشاب السوري عروة مقداد، وكان أحد أعضاء الفريق وجزءاً من العمل الجماعي الذي اختلف بوجود ممثلين من الداخل السوري اضطروا إلى السفر للتدريب والتصوير، ما شكّل صعوبة في إنجاز العمل الكوميدي – السوداوي. وفي حين أن العمل ما زال جارياً حتى اللحظة على اختتام الجزء الثاني، يأمل المخرج في تنفيذ الجزء الثالث في الداخل السوري، ناقداً للحكومة الجديدة، لأن النقد يجب ألا يتوقف، حتى بعد تحقيق الثورة هدفها بإسقاط النظام. ولم تقتصر المشاركات الفنية على فنانين وشباب سوريين، إذ شارك الأطفال أيضاً، لينثروا بصماتهم ألواناً على أوراق بيضاء تبرع بها ناشطون في حي الخالدية، لتعرض 25 لوحة فنية من رسوم الأطفال، لم تنل نصيباً في التصوير بسبب التضييق الأمني. في حين تمكن فنان الكاريكاتور السوري جوان زيرو من إقامة معرض في بيروت، من وحي الثورة والأوضاع الإنسانية، في تشرين الأول (أكتوبر)، بالتعاون مع مؤسسة سمير قصير. وعلى مدار العام، كان أحد النحاتين السوريين يعمل على نحت الصمت والصرخة في الطين، لكن منحوتاته لم ترَ النور في صالة عرض، بسبب وجوده في سورية وصعوبة عرض أعمال حرّة في ظل نظام خانق، فصوّر أعماله وعرضها على صفحات الانترنت، على أمل أن تخرج منحوتاته يوماً إلى العالم، فيتمكن الجميع من لمسها وبث الحياة من حولها. ولعل التصوير الفوتوغرافي نال حصّة كبرى من النتاج الفني الثوري السوري، وازدهرت صفحات «فايسبوك» بأسماء «عدسة شاب حمصي»، و «عدسة شاب دمشقي» أو «ديراني» (نسبة إلى داريا) أو «ديري» (نسبة إلى دير الزور). ومن أروع اللقطات، من كل زاوية وحيّ، تلك التي قدّمتها «عدسة شاب تافه»، والتي لا تحمل من التفاهة سوى الاسم، إذ برهنت الصفحة حسّاً ترميزياً عالياً، إلى جانب الاحترافية الفوتوغرافية التي يبدو أن الشباب اكتسبوها ولم يتعلموها، خصوصاً أنهم غالباً ما يستخدمون الهواتف الخلوية، لصعوبة التصوير أولاً، وليقدموا صوراً متناغمة وتلك التي يبثها ناشطون يفتقرون إلى أدوات التصوير المحترف. وككثير من الأعمال الفنية التي ظهرت في ظل الثورة، بدأت الفكرة مع شابين عملا على التصوير والنشر، قبل أن يتواصل معهم آخرون من مختلف المناطق، لتغدو الصفحة اليوم «عيوناً» من كل زاوية في سورية، تلتقط الحكايات وتوثقها بطريقتها الخاصة. إذاً، مسرح ورسم وكاريكاتور وفوتوغرافيا... وبالتأكيد هناك الموسيقى. ففي حين غابت أصوات العديد من الفنانين السوريين المكرّسين، علت أصوات جديدة، مثل فرقة «نص تفاحة» التي واكبت «لغة» الشارع السوري الجديد، وانصبّت حماستها مثلاً في إعلاء سلميّة الثّورة والدعوة إلى الإضراب والعصيان المدني كما في أغنية «محل صغير ومسكّر». لكن هذا لا يمنع أن شعوراً بالعجز ينتاب أعضاء الفرقة أحياناً، إذ قد لا تسلم أغانيهم من «أسلاك» تشاركت في وضعها السلطات السورية مع الاحتلال الإسرائيلي طوال عقود، وهم يرون أن الإثنين تشاركا في قضم نصف تفاحتنا الآخر، ومن هنا اسم الفرقة التي أسسها مضاء مغربي. ذلك أن الأعضاء ال12 في «نص تفاحة» لم يجتمعوا يوماً. بعضهم يعيش في المغترب، يرسل مساهماته عبر الإنترنت. والبعض الآخر من فلسطينالمحتلة والجولان، يأتون لتسجيل أدوارهم في الاستديو، فيما أكثر المشاركين لهم تجارب فنية وبينهم محترفون. وأنجزت «نص تفاحة» حتى الآن 6 أغانٍ هي: «مازوت»، «هس»، «بيشو»، «محل زغير ومسكّر»، «ليش ضرب النار»، و«قوم». لم تتوقف الثورة الفكرية والفنية في سورية، منذ نحو سنتين، لكنها في 2012 نضجت وأنتجت بزخم، على رغم الإمكانات المحدودة والتضييق، الأمر الذي ربما ساهم في إبداع قنوات ووسائل مبتكرة لإيصال الصوت من الداخل... وهي، كما الثورة الشعبية، مستمرة.