المناظرة مساحة جريئة للتقريب وكشف الأوراق والتعرية إن صحت التسمية، هي الحل الأخير أن تصادمت الآراء المكتوبة وتعددت المنابر التي يتنفس منها كل فريق، وستكون الحَكَم المثالي إذا كُثُر الجدال حول جملة من القضايا المختلف عليها نتيجة رأي أحادي لم يناقش وتمت مصادمته منذ لحظة الولادة، وبهذا نما بحماسة زائدة وعنف لفظي برفقته، أو نتاجاً لجملة بحوث دقيقة أو متسرعة كانت تحتاج إلى حالة تدقيق عالية الجودة مصحوبة بهدوء في المواجهة ومحاولة إحضار المتهور والمصادم وذي الطرح المفاجئ إلى نقطة التقاء غاية في الرزانة وبالغة الإحراج من دون خوف وتراجع. إن وصلت حدة الخلاف إلى التخوين والتجريح والانتقاص من الرموز والأسماء، فحينها تتشنج العقول وتصبح الحالة أشد وأقسى من مرحلة ما قبل المناظرة، وهذا ما لا يخطط له أو يكون مرسوماً له من قبل، الخروج من المناظرات الشرعية والفكرية بنتائج لا تُحسَب في خانة العقل والفوز الحقيقي المبني على دلائل وقرائن وإثباتات هو خروج سلبي أكثر من أي شيء آخر، وهو ما يمهد لتزايد المتابعين لقطبي أية مناظرة وتشتيت الأفكار وبعثرة الأخطاء، ومن ثم التشنج المحتقن لتصبح الهوة أكبر ويصل الانشقاق إلى منطقة ممتلئة باللغط والضجيج. تابع المتحمسون قبل أسبوع المناظرة المنتظرة بين قطبي خلاف شرعي وفقهي وتاريخي يمثله في خانة الدفاع الأولى الباحث الشرعي حسن فرحان المالكي، وفي الخانة المقابلة الأستاذ الجامعي الدكتور إبراهيم الفارس على قناة تدعى «وِصال»، وفي تمكنها من إحضار الاسمين لساحة المناظرة تبرز الإمكانات الجيدة وقبلها أضع تحية لأنهم نجحوا في جمع الأصوات المتشادة وجهاً لوجه كي تبرز الإمكانات وتحضر مكامن القوة ونسمع من الطرفين، ليحق لنا أن نقف عند نقطة التجاوز ونعرف من أين انطلق «س»؟ وعلى ماذا استند؟ وما أوراق «ص» وملفاته التي حان الوقت لأن تحضر وتمثل هجوماً نارياً عقلانياً منطقياً تجاه الرأي الفردي المتحمس والتعاطي الطويل معه بحالة صمم كلي تركت المتقاطعين مع خط الدفاع الأول متحمسين للأفكار والأطروحات أكثر من أي وقت مضى؟ فتح مشاريع المناظرات تجاه من يتبنون آراء حادة وصدامية وساخنة ومتكئة على مقولات وأقوال لم تحضر لأذهاننا فكرة جريئة وحاسمة وقاطعة لأية تفرعات في الطريق، لكن القناة الفضائية «وصال» على رغم حماستها وغيرتها لم تتقن إدارة المناظرة، وقرأ كثيرون أنها كانت مبتدئة وغير قادرة على سحب الضيف المغضوب عليه إلى منطقة الكشف والصيد المباشر، ومنحه حق الدفاع عن فهم مغلوط أو تشوبه آراء مجهولة، لا أريد أن اتهم القناة بالغباء الإداري حين كانت تبيت النية على تعرية خطاب المالكي، فساهمت عن جهل في مزيد من الشعبوية والبحث عن آرائه ومكاشفاته، وقد يبلع المتابعون شيئاً منها ونعود إلى ندخل في ذات النفق المظلم إنما بشريحة مضاعفة وبفريق لا نتمكن من احتوائه أو جمعه وإسماعه الحقيقة من فم العقلاء. المناظرة الخانقة هي مَنْ تستلزم الهدوء وتحمل الصداع ورفع العباءة عمّن يرتديها من دون حق، ومن دون أن يصيبنا رعب من طرح متهور حتى وإن كان حاداً وخانقاً، وفوق ذلك لا نستميت في الإقصاء والمحاربة بالصوت والإسكات بل بالعقل والهدوء والمنطق وإثبات القدرة على استيعاب من نحسبه طائشاً أو يرتدي قماشاً ليس لنا، الفوز بالصوت ليس فوزاً في مجتمع ينتظر الفاصلة حتى يتأهب لما بعدها، وتعجبه الفكرة الجديدة وإن كانت ضمن حقيبة قديمة، وبات يظن أن من يصرخ كثيراً لا يملك إلا القليل. [email protected] @alialqassmi