استبق اقتصاديون سعوديون إعلان الموازنة الجديدة للدولة للعام 2013 خلال أيام بالتحذير من ارتفاع تكاليف المعيشة في العام المقبل، بسبب زيادة الإنفاق الحكومي على المشاريع، وارتفاع أسعار السلع المستوردة، وهو ما يؤثر سلباً في ذوي الدخل المحدود، مؤكدين أن التأثير سيطاول الجوانب الاجتماعية ويؤثر سلباً في رفاهية المجتمع. وانتقد الاقتصاديون ضعف دور جمعية حماية المستهلك، مشيرين إلى أنها لا تتوافر ليدها كوادر بشرية مؤهلة، كما أن إمكاناتها المادية ضعيفة، مطالبين بتفعيل دور وزارة التجارة في تعزيز الرقابة على الأسعار. وقال الخبير الاقتصادي الدكتور خالد الحارثي، إن الارتفاع المتوقع لتكاليف المعيشة سببه حجم الإنفاق الحكومي الكبير خلال العامين الماضيين والمتوقع استمراره خلال العام المقبل، إضافة إلى خفض الاحتياطات الإلزامية على المصارف من مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما)، وهو ما أسهم في زيادة الإقراض الذي عزز حجم الطلب الكلي في الاقتصاد السعودي، وهذه العوامل أدت إلى ارتفاع تكاليف المعيشة الذي لاحظناه خلال الأشهر الماضية. وفي شأن توقعاته للعام المقبل، قال: «في ظل المعطيات الحالية والتوقعات الإيجابية للموازنة السعودية، فإن الحكومة السعودية ستسير على نهج زيادة الإنفاق الحكومي على مشاريع البنية التحتية، وهذا سيؤدي إلى زيادة الأسعار والتأثير في محدودي الدخل، وبالتالي ستضعف القوى الشرائية للأفراد، وهو ما ستكون له آثار سلبية على السعوديين والوافدين». وتابع الحارثي في حديثه إلى «الحياة» قائلاً: «هنا يأتي دور السياسات النقدية والمالية للتحكم في هذه الظاهرة الاقتصادية، عبر زيادة الإنفاق الاستثماري، والحد من استغلال التجار لمثل هذه الظاهرة سواء برفع الأسعار المبرر أم بزيادة الهامش الربحي من التجار على حساب المستهلك». ورأى أن وزارة التجارة تتحمل دوراً مهماً في تعزيز الرقابة على الأسعار، خصوصاً أسعار المواد الأساسية التي تمس المواطن البسيط، منتقداً ضعف أداء جمعية حماية المستهلك، ووصفها ب «الغائبة تماماً والضعيفة»، مؤكداً أنها لم تقدم المأمول منها، إضافة إلى عدم مساهمتها بأي شيء يحمي المستهلك. وطرح الخبير الاقتصادي حلولاً لمواجهة ارتفاع تكاليف المعيشة، وقال إنها تتمثل في «زيادة دخل الأسرة عبر توفير وظائف للعاطلين عن العمل، والبحث عن بدائل السلع التي ترتفع أسعارها، وتنمية ثقافة الاستهلاك لدى المستهلك السعودي، خصوصاً أن تلك الثقافة محدودة لدينا، إذ نجد ولاء أسرة لمنتج معين مهما ارتفع سعره، وهذا خطأ، فمن المهم أن نبحث عن بديل للمنتج الذي ارتفع سعره». من جهته، توقع الكاتب الاقتصادي الدكتور سالم باعجاجة في حديثه إلى «الحياة» أن يشهد العام المقبل ارتفاع تكاليف المعيشة بنسبة تراوح بين واحد وخمسة في المئة، ما سيؤدي إلى زيادة معدلات التضخم، مرجعاً سبب ارتفاع تكاليف المعيشة إلى الأوضاع السياسية المضطربة في المنطقة، وقال: «هناك دول نستورد منها مواد وتوجد بها أزمة سياسية، وهذا سيؤثر بطبيعة الحال سلباً في الأسعار التي ستشهد ارتفاعات متباينة». وأضاف: «الاضطرابات السياسية التي شهدتها بعض الدول العربية لها تأثير كبير جداً في ارتفاع الأسعار وتكاليف المعيشة في المملكة، وبلغت نسبة الارتفاع قرابة 30 في المئة لبعض السلع والخدمات منذ كانون الأول (يناير) 2011». وشدد باعجاجة على ضرورة تفعيل الجانب الرقابي، وبذل مزيد من الجهد في مراقبة الأسعار، موضحاً أن ذلك يأتي بتفعيل دور جمعية حماية المستهلك، خصوصاً أنها غير فعّالة بسبب عدم توافر كوادر بشرية مؤهلة تعمل لديها، إضافة إلى إمكاناتها المادية الضعيفة، وهو ما أدى إلى ضعف دورها في رقابة الأسعار. أما أستاذ علم الاجتماع الاقتصادي في جامعة الملك عبدالعزيز الدكتور مشبب الأسمري فحذّر من أن أي ارتفاع في تكاليف المعيشة سينعكس سلباً على رفاهية المجتمع، وعلى التواصل داخل منظومة الحياة الاجتماعية. وأضاف في حديثه إلى «الحياة»: «ارتفاع تكاليف المعيشة سينعكس على البعد النفسي والأسري والاجتماعي، وستظهر سلوكيات اجتماعية غير معتادة، ما قد ينعكس على زيادة العنف الأسري ومعدلات الجريمة نتيجة البطالة». وأشار إلى أن الأسرة تعودت على نمط معيّن من الحياة وتوفير متطلبات معينة، وقد يحدث خلل ونقص بسبب تكاليف المعيشة، وهو ما يؤدي إلى اضطرابات أسرية.