اعتبر محافظ المصرف المركزي السويسري توماس غوردون في حديث إلى «الحياة»، أن تقلبات الفرنك السويسري «طبيعية جداً». وتحدّث عن تأثير الأسواق المالية وأسواق الصرف على سياسات سويسرا المالية، والأهداف الحالية والمستقبلية للمصرف في الداخل والخارج. ورأى وجود مخرج تجاري مهم من طريق التخطيط لإعادة هيكلة منتجات سويسرا المالية. وبالنسبة إلى الفرنك السويسري، لم يبدِ غوردون «مخاوف جدية» إزاء قيمة الفرنك السويسري التي سجلت تقلّبات في الفترة الأخيرة أمام عملات أخرى. إذ إن النظام المالي العصري «يعتمد على ليونة في أسواق الصرف، لا تؤذي العملات المتداول بها بكثرة حول العالم. لذا يجد أن تقلبات الفرنك السويسري «طبيعية جداً». وفي السابق، كانت قيمة الفرنك قوية أمام عملات أخرى وها هي تضعف أمامها في شكل طفيف حالياً. لكن هذه الآلية تنتمي إلى تقلبات تتعرض لها كل العملات حول العالم، ما يعني أن استقرار الفرنك السويسري أمام العملات الأخرى مستمر. وسيتدخل المصرف المركزي مجدداً، لإعادة تثبيت القيمة الرسمية للعملة الوطنية إزاء عملات أخرى، في مقدمها اليورو والدولار الأميركي، فور حدوث أي خلل في هذا الاستقرار. وتُعتبر التداعيات المتعلقة بقوة الفرنك السويسري أو ضعفه، مختلفة بين حال وأخرى، ومن شأنها «معاقبة» أو «دعم» السياسة النقدية السويسرية داخلياً وخارجياً. وعلى صعيد أوضاع الأسواق المالية السويسرية والمبالغ الائتمانية الضخمة الموضوعة بتصرف شرائح التجار والشركات في سويسرا، شدد غوردون على ضرورة «توخي الحذر حتى لو كانت النتائج المالية الشكلية لبعض التجار والشركات جيدة». إذ إن لدى صناديق تحوط كثيرة وكذلك شركات الأسهم الخاصة (برايفت ايكويتي) وبعض المصارف مشاكل خفية، يمكن المصرف المركزي السويسري «وحده» الاطلاع عليها منسوباً إليها حالياً درجة مديونية «مقلقة». ومن المهم جداً بالنسبة إلى المصرف المركزي، عدم توسيع درجة المديونية مع الشركات والمصارف المتعثرة إلى حد أبعد. وعلى رغم تباطؤ حركة الصادرات لدى بعض الشركات، إلاّ أنها نجحت في التخلص من ديونها لدى المصارف. واللافت أن درجة مديونية المؤسسات المالية والشركات المحلية الكبرى أعلى بقليل خلال العام الحالي، من تلك الخاصة بالشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم. وفي ما يتعلق بتجارة «كاري تريد» التي يحاول فيها المضارب أو المتاجر بالعملة ألا يكسب من صعود أو هبوط زوج العملات فقط، بل من خلال الاختلاف في سعر الفائدة بين العملتين. وأشار محافظ المصرف المركزي السويسري إلى أن هذا النوع من التجارة «كان مزدهراً في السابق ومربحاً، لكن لا يمكن وضع توقعات حول مستقبل هذه التجارة التي كان لها مفعول مباشر على قوة الفرنك السويسري لا بل على السياسات المالية للمصرف. ويُبرز غوردون معادلة مهمة تتمحور حول تراجع الجاذبية إلى تجارة «كاري تريد»، كلما ارتفعت درجة التقلبات في أسواق الأسهم والعكس بالعكس. أما بالنسبة إلى سندات الخزينة السويسرية، رأى غوردون أنها ستمر قريباً بإعادة هيكلة ثقيلة المعيار لتصبح أكثر جاذبية أمام المستثمرين الدوليين. ولفت إلى أن سندات الخزينة الأوروبية عموماً، فقدت جاذبيتها لمصلحة سندات خزينة في دول أخرى لا تتبادر إلى الأذهان، مثل سندات الخزينة الفنزويلية التي تدر على المستثمرين فوائد سنوية معدلها 13 في المئة. ويدرس المصرف المركزي السويسري حالياً ملف زيادة الفائدة على سندات الخزينة البالغ مردودها السنوي 0.2 في المئة فقط، ما يعني ضرورة أن ينتظر المستثمر مئة عام لمضاعفة أي مبلغ وضعه داخل عملية شراء هذه السندات. أما على صعيد المصارف السويسرية، التي تعطي فوائد لا تتخطى 0.2 في المئة على أي مبلغ ادخار، فيجب على المستثمر انتظار 346 عاماً لمضاعفة المبلغ الذي ادخره. وهو أمر غير معقول، وفق محافظ المركزي السويسري. وبما أن التصنيف الائتماني لسويسرا لم يهتزّ أبداً وهو لا يزال مصنفاً «إيه إيه إيه»، لا يستبعد المحافظ إجراء تعديل في نسبة الفوائد في سويسرا، بهدف توثيق جاذبية السندات السويسرية التي لا تسجل إقبالاً كثيفاً عليها على رغم أهمية سويسرا التاريخية في عالم المال. وفي موازاة تفكك السرية المصرفية السويسرية، ربما تكون سندات الخزينة بديلاً في حال رفع فوائدها السنوية. وعلى المدى الطويل، يخطط المصرف المركزي السويسري لهندسة سندات خزينة بمردود سنوي معدله 3 في المئة، على غرار ما تدرّه أسواق الأسهم السويسرية على مستثمريها اليوم. علماً أن أسهم بعض الشركات السويسرية المصنفة «بلو تشيب» تدر على مستثمريها سنوياً 5 في المئة. ولا شك في أن الأخطار التي تعصف بأسواق الأسهم أقوى من تلك المحيطة بأسواق السندات. لكن المستثمرين راضون عن ذلك كونهم، وفق غوردون «فقدوا صبرهم إزاء برامج استثمارية معقدة خصوصاً سويسرية أو غير سويسرية، يسودها الغموض والمفاجآت الكثيرة.