سجّلت دول مجلس التعاون الخليجي معدلات نمو قوية خلال السنة قُدّرت بنحو 5.6 في المئة على رغم تزايد الغموض الذي يسيطر على الأوضاع الاقتصادية العالمية وانخفاض إجمالي الناتج المحلي العالمي، واقتراب موعد سقوط الولاياتالمتحدة في «الهاوية المالية» مع بداية عام 2013 ما يهددها بركود اقتصادي كبير. وعزا خبراء هذا النمو إلى استمرار تصاعد أسعار النفط والاستثمار الحكومي الكبير في مشاريع البنية التحتية والإنفاق على الخدمات العامة، بما في ذلك زيادات رواتب العاملين في القطاع العام التي عززت الإنفاق الاستهلاكي، إضافة إلى تغيير قوانين وتشريعات في القطاعين المالي والعقاري في بعض الدول، ما ساهم في تحريكهما بعد فترة جمود استمرت أكثر من ثلاث سنوات بفعل الأزمة المالية العالمية. وعلى رغم الضغوط العالمية على اقتصادات المنطقة، أظهرت دراسات وبحوث أن الأخيرة حصنت ذاتها واقتصاداتها عبر تركيز اهتمامها التجاري والاستثماري على دول آسيا وأميركا اللاتينية والدول العربية، كما لم تقطع كل الحبال التي تربطها بالاقتصادات الغربية التي تستورد نحو 20 في المئة من النفط. وإذا كانت أسعار النفط تراجعت مع بداية الأزمة المالية العالمية بما نسبته 37 في المئة وأسعار الغاز المسال 27 في المئة فيما لم تزيد حينها احتياطات دول الخليج على 473 بليون دولار، فإن خبراء أكدوا ل «الحياة» أن الوضع اليوم اختلف كثيراً إذ تشير التقديرات إلى استقرار أسعار النفط عند نحو 110 دولارات للبرميل خلال عام 2013، كما ارتفعت احتياطات دول الخليج نهاية حزيران (يونيو) الماضي إلى 694 بليون دولار بزيادة بلغت نحو 47 في المئة، ما يشير إلى أن اقتصادات هذه الدول تحسنت مقارنة بعام 2009. واعتبر خبير الاقتصاد ناصر السعيدي أن في حين شكّل الإنفاق الحكومي المحرك الأساس للاقتصادات عام 2011، فان المحرك هذه السنة كان مساهمة القطاع الخاص في مشاريع البنية التحتية، مشيراً إلى أن المحرك الأبرز هو تنفيذ السعودية مجموعة من الإصلاحات التشريعية في القطاعين العقاري والمالي، ما يشير إلى دعم دور القطاع الخاص قد يشجع باقي دول الخليج على خطوات مماثلة. وأظهر تقرير لاتحاد الغرف التجارية أن الدول الخليجية استفادت من دروس الأزمة المالية وكانت من أقل مناطق العالم تأثراً فيها بفضل السياسات الاستثمارية الرشيدة التي اتبعتها، مقارنة بما حدث ويحدث في الولاياتالمتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، في حين بلغ حجم التبادل التجاري بين دول المجلس العام الماضي نحو 65 بليون دولار، وقد يتضاعف في المدى المنظور بعد معالجة بعض المعوقات الجمركية والحدودية. صناديق الثروة السيادية وأشارت تقديرات صندوق النقد الدولي إلى امتلاك صناديق الثروات السيادية الخليجية، صناديق إدارة الثروات الحكومية، أصول أجنبية تصل قيمتها إلى تريليون دولار، ما يعني أن إجمالي أصول الصناديق إضافة إلى الاحتياطات الأجنبية تمثل أكثر من 120 في المئة من إجمالي الناتج المحلي لدول الخليج، التي أصبحت تتمتع بمناخ اقتصادي مستقر وإطار تشريعي قوي متوازن كفيلين بجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية. وبيّن تقرير أعدته هيئة المحاسبين القانونيين في إنكلترا وويلز، والتي تعتبر أبرز المؤسسات الراعية لمهنة المحاسبة في العالم، أن معظم دول الخليج تمكنت من تنويع مصادر دخلها بعيداً من النفط، معتبراً أن الإمارات هي إحدى الدول الرائدة في المنطقة في هذا التوجه إذ أصبحت مركزاً مالياً ولوجيستياً وعصب أعمال رئيس، بينما نجحت قطر في تنمية قطاعاتها غير النفطية أسرع من القطاع الهيدروكربوني. وبيّن تقرير أصدره «معهد التمويل الدولي» أن الاستثمارات الخارجية الخليجية تنوعت خلال السنوات الماضية بدلاً من تركزها في الأسهم والسندات والأصول العقارية، لتدخل في أصول الشركات وتمويل المشاريع والمساهمة في صناديق الاستثمار المغلقة وصناديق التحوط وعمليات الشراء والاستحواذ على الشركات الكبرى. وإثر الطفرة النفطية الجديدة، تزايدت الفوائض المالية في شكل كبير ما أدى إلى زيادة زخم الاستثمارات عموماً والاستثمارات الخارجية خصوصاً، حتى باتت رؤوس الأموال الخليجية تلعب دوراً بارزاً في الاقتصاد العالمي وأصبحت تشكل أحد المحركات الرئيسة لاقتصاد العالم. وأظهرت أحدث التقديرات الصادرة عن مؤسسات دولية أن حجم الأصول الخليجية في الأسواق العالمية تجاوز 1.800 تريليون دولار، كما أشار تقرير أعده «معهد التمويل الدولي» في واشنطن إلى أن نحو 36 في المئة من إجمالي هذه الأصول ضُخّ خلال السنوات الخمس الماضية، بينما استحوذت دول الشرق الأوسط على 11 في المئة منها. وشجّعت الزيادة الأخيرة في الفوائض المالية معظم دول المنطقة على إنشاء صناديق الاستقرار المالي التي تهدف في الأساس إلى تنويع مصادر الدخل وضمان إيرادات مستمرة للأجيال المقبلة، إلا أنها في المحصلة تمثل مبالغ كبيرة مخصصة للاستثمار، وخصوصاً الاستثمار الخارجي في أسواق المال الأجنبية، فيما يعرف باسم «الصناديق السيادية». وأظهرت بيانات خاصة بالقروض الائتمانية في العالم لهذه السنة أن إقراض البنوك في دول الخليج ينمو بمعدلات تفوق نظيراتها دولياً، بينما أكد تقرير ل «مؤسسة الخليج للاستثمار» أن يمكن للزخم المترسخ في اقتصاد المنطقة الاستمرار في قيادة قطاع العقارات إلى الصعود. ولفت إلى أن في الوقت الذي تعاني الكثير من الدول من عجز خانق في موازين حكوماتها ومن تفاقم مديونياتها، تنعم دول الخليج بفائض في الموازنة العامة يقدر بنحو 28.1 في المئة من الناتج المحلي في الكويت، و14.7 في المئة في السعودية، و7.3 في المئة في قطر، و6.5 في المئة في عُمان، و3.4 في المئة في الإمارات، مع وجود عجز في البحرين يقدر بنحو 3.1 في المئة. وتوقع الرئيس التنفيذي ل «مركز بحوث الاقتصاد والأعمال» دوغ ماك ويليامز أن يتباطأ نمو دول الخليج عام 2013، ولكنه سيواصل تفوقه على المعدلات في باقي الدول.