يضطر كثير من المهزومين نفسياً والمهووسين بالخرافات والغيبيات في جل بقاع العالم إلى ابتكار نقاط ضوء وهمية لا وجود لها إلا في جماجمهم، ليعلقوا عليها آمالهم المستحيلة، ويتمكنوا من مواصلة الحياة بالحد الأدنى من الحماسة.. هناك من يقضي وقته في متابعة هرطقات الأبراج.. وهناك أيضاً من يهلك ماله في شراء وتجميع الوهم المتمثل في قوالب مختلفة، كالكتب التي تحمل عناوين تدغدغ أحلام الفقراء من نوعية «كيف تصبح مليونيراً في 5 أيام»، أو تلك التي ترفع معنويات الموظفين الكادحين مثل «كيف تدير مديرك»، وما إلى ذلك من حلول سحرية تعمل بشكل جيد نسبياً على تثبيط حالات الاكتئاب، وهذه مسألة مطلوبة في المجمل، لكن من الجنون أن تتحول حياة البشر في مجتمع ما إلى مجرد دوامة للهرطقات والأوهام بما يعطلها تماماً ويقذف بها خارج التاريخ. في العالم العربي يعلو كعب الخرافة، وتتغذى الهرطقة التي يحاول البعض إلباسها ثوباً دينياً على حيلٍ جديدة كل يوم، من أبرزها تسويق الأماني بمسمى «تفسير الأحلام»، حتى بات في كل حارة وكل شارع مفسر أحلام يطبطب على الناس ويطمئنهم على مستقبلهم ليقبض ما تيسّر من المال. لكن العملية تطورت أخيراً وتحولت من بند التوقعات التي تختتم عادة بعبارة «والله أعلم» إلى التأكيد على صحة الحدث المستقبلي وفق بند «تواترت الرؤى»، وبما أننا في زمن التكنولوجيا فيمكن لأي شخص أن يضع عبارة «تواترت الرؤى» في باحث غوغل، ويتجول في عالم من الأعاجيب، فقد تواترت الرؤى بحسب مفسري أحلام السعوديين، على مقتل بشار الأسد في شهر رمضان الفائت لكن من قُتل فعلياً حتى الآن هو الشعب السوري، كما تواترت الرؤى على فوز فريق كرة القدم الفلاني على الفريق العلاني، لكن النتيجة جاءت عكسية وبالدبل.. اللافت والمطمئن فعلاً هو تواتر نسبة جيدة من التعليقات بالعبارة التهكمية الشهيرة: «لا يا شيخ». قبل أيام أهداني الصديق الإعلامي أحمد عدنان كتاباً بعنوان «قصة وفكر المحتلين للمسجد الحرام»، يتناول وفق روايات الشهود العيان تفاصيل حادثة احتلال الحرم المكي الشريف عام 1400 من المجموعة الإرهابية التي عُرفت بمجموعة «جهيمان»، التي بايعت أحد أفرادها أمام الكعبة باعتباره المهدي المنتظر، والملاحظ أن عملية «تواتر الرؤى» كانت بطلة المشهد بين جموع الإرهابيين عند محاصرتهم، إذ يقول أحدهم في روايته الخاصة عن الحادثة: «أتانا جهيمان وأخبرنا أن الرؤيا قد تواترت بأن الجيش القادم من تبوك قد خُسف به، وبعد ذلك بيومين أتانا أحد الإخوان وهو مستبشر وقال: إن فلاناً من الإخوان وهو من أهل الصدق والورع، وكان مرابطاً في الخطوط الأمامية، سمع في الليلة الماضية الراديو الموجود عند العسكر، وكان صوته واضحاً، أن الجيش القادم من تبوك لمحاربة الإخوان المعتصمين بالحرم قد زلزلت الأرض من تحته وخُسف به، وأن خسائرهم كبيرة، فكبّر بعض الإخوان».. طبعاً الراوي توقف هنا، ولم يشر من قريبٍ أو بعيد إلى أي تعليق من نوعية «لا يا شيخ»، لكن من يستطيع أن يجزم بأن بعض المكبّرين لم يرددوها بينهم وبين أنفسهم قبل أن يغادروا هذا العالم إلى الجحيم؟! [email protected] @Hani_Dh