جاري السبعيني «أبو سليمان» أشد خلق الله كسلاً في هذا الكوكب، سألته يوماً عن أصعب أمنية لم يستطع تحقيقها طوال العقود الماضية؟ فانتفض وفكر قليلاً ثم أجاب: «منذ طفولتي وأنا أتمنى أن أنام لثلاثة أيام بلياليها، ومع أن سنين العمر مضت إلا أني لم أفقد الأمل حتى الآن، فإيماني كبير بأنني سأحقق هذه الأمنية خلال العقد الحالي»، إجابته دعتني لا شعورياً لوصفه ب«الشايب المبنشر» كناية عن الكسل وقلة الحركة، وما كدت أنجو منه لولا أنه تلقى مكالمة عبر جواله مكنتني من تغافله والمضي بعيداً منه. أبوسليمان لا يمثل حالاً نادرة من نوعها في البلد، هو رجل طيّب وبسيط كغيره من ملايين المواطنين الصالحين، الذين يعانون من إدمان الكبسة واللبن و«التسدح» أمام شاشات الفضائيات طوال اليوم... هواياته التي يحرص على ممارستها في أوقات الفراغ لا تتعدى البحث عن زوجة «مسيار»، أو تقصي أخبار سكان الحي، وتوزيع النصائح وأحياناً الشتائم والسخرية عليهم أثناء تربعه على عتبة في الشارع، مسنداً ظهره لجدار منزله في مكان يُسميه «المشراق»، وهي تسمية شعبية لتلك «العتبة» مقبلة من القرن الماضي كما فهمت منه... الغريب أنه محبوب من الجميع، على رغم سلاطة لسانه التي تجعله يعرّض ببعض عجائز الحي أمام أحفادهن أحياناً، وتجعله كذلك يحاول استفزاز بعض المسنين بذكر أسماء زوجاتهم وصفاتهن، مثل قوله لأحدهم «شلون حرمتك منيّر العوبا؟»، وما إلى ذلك من عبارات تتطور غالباً إلى اشتباكات كلامية خفيفة، سرعان ما تنتهي بشتم الآخر لأم سليمان، التي لم تستطع تربية زوجها «العيّار» كما ينبغي. يحرص أبو سليمان بشكل مستمر على قراءة الصحف التي يطلبها في الصباح الباكر من بائع هندي يعمل في البقالة المجاورة لمنزله، ثم يعيدها إليه قبل خروج الموظفين من أعمالهم بعد الظهر، لتجد طريقها إلى بيوتهم ويسلم من دفع قيمتها... أما في المساء فيتحول إلى وكالة أنباء متنقلة، تمتلك تفاصيل أخبار ذلك اليوم كافة، بما فيها أخبار الوفيات والتعيينات التي يستنتجها من إعلانات التعازي والتهاني لا الأخبار والتقارير الصحافية. قبل أيام لم يُرجع أبو سليمان إحدى الصحف إلى العامل الهندي، وأصر على دفع قيمتها، قبل أن ألتقيه مساء بالمصادفة ويقذفها في وجهي قائلاً: «خذ يا النشيط»، حاولت أن أفهم منه ما يريد فسبقني بقوله «اقرأ الخبر الأول في الصفحة رقم كذا»، فاتبعت خريطة الطريق التي قادتني إلى خبرٍ عن دراسة نشرتها مجلة «لانسيت» الطبية المرموقة، وكشفت نتائجها أن السعوديين حصدوا المرتبة الثالثة عالمياً في الخمول البدني بحصولهم على نسبة قاربت 68.3 في المئة. الدراسة المفزعة اعتمدت في نتائجها على بيانات منظمة الصحة العالمية التي أوضحت أن نمط حياة «الجلوس على الأريكة» يقتل خمسة ملايين شخص سنوياً على مستوى العالم. ملقية باللوم على العادات الاجتماعية الخاطئة التي كرست ثقافة الاعتماد المفرط على السيارات والجلوس لساعات طويلة أمام أجهزة الحواسيب، طبعاً لا تعلم المجلة التي نشرت الدراسة شيئاً عن مشراق أبي سليمان وإدمان الكبسة واللبن، وإلا لتربعت صورته على غلافها. لكنني لا أشك أبداً في أن إيمان جاري العميق بقدراته الخارقة سيجعله يحتل غلاف تلك المجلة بعد نومته العظيمة التي يحلم بها خلال العقد الحالي، خصوصاً مع استمرار «أم سليمان» بالدعاء عليه بنومة أهل الكهف، وما ذلك على الله ببعيد. [email protected] Hani_Dh@