ليست هناك دولة، وإذا وجدت هياكلها، فهي لأداء أدوار رمزية لا أكثر ولا أقل، كل هذه الهياكل هي امتداد لسلطتي، أنا الفعل وكل ما عداي ردود فعل. هكذا، بالمختصر المفيد في الشرح للعامة والخاصة، أعلن السيد حسن نصرالله الأمين العام لحزب الله، أن قرار الحرب والسلم ووفق أي مبدأ أو أي غاية، إنما هو ملك حصري له، كذلك أعلن أن اللبنانيين خارج الأراضي اللبنانية هم مسؤوليته، أما اتخاذ قرار بمساندة السلطة السورية التي ينتفض عليها شعبها فهو شأن يقرره هو وحده كأنه يقول لهم: من أنتم لتقرروا لي ماذا أفعل؟ أنا الدولة والدولة أنا!شعار لويس السادس عشر هذا أتى إلى ذهني مباشرة بعد أن انتهيت مذهولاً من سماع خطاب السيد الأمين العام، وتساءلت ما هي الفائدة من إرسال طائرة استطلاع بلا طيار (مصنعة في إيران ومجمعة في لبنان) فوق الأراضي الفلسطينية المحتلة في هذه الأيام وهذه الأجواء، التي يكاد المرء يجزم بأنها من أصعب الأوقات التي يواجهها الشعب اللبناني، على مختلف الصعد الأمنية والسياسية والاقتصادية، وكذلك تواجهها المنطقة ككل، وهي على غير استعداد البتة لأي صراع أو نزاع عسكري مع الدولة العبرية، ولن يزيد هذا النزاع الأوضاع إلا اضطراباً في أرض متألمة ومضطربة أصلاً إلى أقصى الحدود. يبدو أن هناك أهدافاً أخرى من وراء إرسال الطائرة إلى العمق الإسرائيلي، ومع أن السلاح المكشوف يفقد الكثير من قيمته لأنه أصبح معروفاً، وستأخذ قيادة العدو ترتيبات خاصة في شأنه، أي أنه لم يعد يشكل مفاجآت كان يمكن استخدامها وقت الحرب، إلا أن حزب الله استخدمها لإيصال رسالة مختلفة (على الأرجح إيرانية) إلى من يعنيهم الأمر، تتعلق بالوضع الإيراني، وعملية الحصار الاقتصادي، والتهديد بضربة عسكرية مدمرة لمشروعه النووي، والرسالة تقول إننا نستطيع، عبر حزب الله، أن نهدد الداخل الإسرائيلي، وربما نستطيع أن نطاول مفاعل ديمونا النووي في النقب. حسناً، لقد وصلت الرسالة، وأخذ الجميع العلم بها، خصوصاً الشعب اللبناني، وخصوصاً الجنوبيين، الذين وإن أظهروا تضامناً مع مواقف حزب الله، إلا أنهم في حاجة إلى المزيد من التفسير. فلماذا عليهم أن يقعوا تحت خطر حرب جديدة؟ وهم بالكاد بدأوا باسترداد أنفاسهم بعد تموز (يوليو) 2006، وهل حقاً عليهم أن يدفعوا ثمن السياسات الإقليمية لحزب الله - سواء ما يحدق بهم من أخطار نتيجة التصاق الحزب بالنظام الديكتاتوري في سورية، أو نتيجة إخلاصه لمواقف الجمهورية الإسلامية في إيران وبرامجها النووية؟ ثم ما هو هذا المستقبل الواعد الذي يقدمه لهم كل من النظامين: قمع وقتل وإلغاء الحرية العقلية والدينية، وخلافات مع الجميع ومستوى معيشي يكاد يلامس الحضيض. أنا الدولة، أسيطر على كل شيء فيها، وبالتحديد على المؤسسات التي تعطيها هيبة، إذا أردت سمحت لهم بدخول الضاحية وتحرير المخطوفين من أيدي الجناح العسكري لآل المقداد، حتى لا أخوض نزاعاً مع بيئتي، وإذا رغبت منعتهم من الاقتراب من النبي شيت حيث انفجار مخازن الأسلحة، التي أخبئها للأيام السود في الحرب المستمرة على كل من يخالف أو لا يوافق مشاريع إيران. أنا الدولة، وأنا أدرى بمصلحتي ومصلحة بيئتي من الخونة المعادين لحلف المقاومة المتمدد من إيران عبر نظام البعث إلينا، أنا كغيري من هذه الدول أدرك مدى الشرعية التي اكتسبتها نتيجة تصدٍّ للعدوان الإسرائيلي، وربما كان وضعي شبيهاً بنظام البعث ورفاق السلاح، ولكنني أستطيع أن أكسب جولة أخرى على جبهة عدو الأمة، بينما أفتح جبهة جهادية شرقية، أدافع فيها عن رفاق السلاح في النظام السوري. أنا الدولة، لكنني أجني المكاسب فقط، أما الأعباء فهي على المؤسسات التي تأتمر بأمري، وتعمل وفق توجهاتي، وعلى حلفائي أن يقوموا بعدها باتهام الجميع بالفساد وسوء الإدارة وانهيار الأوضاع الخدماتية والاقتصادية والسياسية، وليس لهذا علاقة بنا أو بمخازن أسلحتنا أو بجبهاتنا الجهادية أو حتى بالطائرات التي تطير بلا طيار بدعوات الأسياد وبركاتهم.