أطاح الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي بما تبقى من نفوذ للرئيس السابق علي عبدالله صالح في الجيش والأمن، وأنهى الانقسام في المؤسسة العسكرية اليمنية عندما أصدر عدداً من القرارات لجهة إعادة هيكلة الجيش، تضمنت إلغاء قوات الحرس الجمهوري التي كان يقودها نجله العميد الركن أحمد صالح، وأقصت ابن شقيقه العميد يحيى محمد صالح عن قيادة قوات الأمن المركزي، لكنها ألغت في الوقت نفسه الفرقة الأولى المدرعة بقيادة خصمه اللدود اللواء الركن علي محسن الأحمر. وشكلت القرارات الرئاسية بداية مرحلة جديدة في تاريخ المؤسسة العسكرية والأمنية اليمنية التي أضعفها تقاسم النفوذ وتضارب الولاءات خلال الحقبة الماضية، وخصوصاً في العامين الأخيرين اللذين شهدا الاحتجاجات الشعبية الواسعة على حكم علي صالح، كما اعتبرت خطوة أساسية على طريق تطبيق بنود التسوية السياسية القائمة على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية تمهيداً لإنجاح مؤتمر الحوار الوطني الشامل المفترض عقده في غضون أسابيع. وستمكن القرارات الجديدة الرئيس هادي من توحيد مكونات القوات المسلحة وتشكيلاتها البرية والبحرية والجوية والاحتياطية، تحت قيادته كرئيس توافقي للمرحلة الانتقالية التي يفترض أن تتوج بانتخابات رئاسية في 2014. وأكد مصدر في رئاسة الجمهورية اليمنية ل «الحياة» أمس أن قرارات إعادة الهيكلة لا تستهدف أي طرف من الأطراف، وإنما تندرج في إطار تطبيق المبادرة الخليجية، مؤكداً عزم الرئيس هادي علي المضي قدماً باليمن إلى التغيير الذي يتطلع إليه الشعب اليمني والانتقال بالبلد إلى الدولة المدنية وتجاوز تداعيات الأزمة الراهنة. وأضاف المصدر أن إعادة هيكلة الجيش وتوحيده شغلت اهتمام هادي منذ توليه الرئاسة، باعتبار أنها الخطوة الأهم لإنجاح التسوية وإخراج اليمن من أجواء الاحتراب الأهلي، عبر النأي بالمؤسسة العسكرية عن الصراعات السياسية وإنهاء تبعيتها وتعدد ولاءاتها لتعود مؤسسة وطنية خالصة في أداء واجباتها وتحمل مسؤولياتها الدفاعية والأمنية في البلاد. وفي حين بادر اللواء علي محسن الأحمر الذي كان أيد المطالب الشعبية والشبابية بتغيير نظام صالح العام الماضي، إلى إعلان تأييد قرارات هادي فور صدورها، ووصفها بأنها تخدم القوات المسلحة والوطن، أعلن العميد يحيى صالح الذي أقصي من رئاسة أركان قوات الأمن المركزي تأييده للقرارات، وهنأ الرئيس هادي عليها، في حين نقل قريبون من العميد أحمد صالح الموجود في إيطاليا تأييده للقرارات. ورحب السكرتير الإعلامي للرئيس السابق بالقرارات، غير أنه اعتبرها «تقاعداً» مبكراً لنجل صالح الذي قال إنه بنى قوات الحرس الجمهوري والقوات الخاصة، كما اعتبرها تحريراً لحزب «المؤتمر الشعبي» الذي لا يزال صالح يرأسه من أعباء المؤسسات الأمنية والعسكرية التي كانت تثقل كاهله. وكان سفراء الدول الراعية للتسوية أيدوا قرات هادي ووصفوها في بيان صدر أمس، بأنها «عنصر أساسي ضمن المرحلة الأولى من هيكلة الجيش»، وتلقى الرئيس اتصالاً من الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبداللطيف الزياني الذي أكد له دعم دول مجلس التعاون وتأييدها لهذه الخطوات ولكل ما هو ضروري لخروج اليمن إلى بر الأمان. واعتبر المبعوث الأممي إلى اليمن جمال بن عمر القرارات «خطوة بناءة تنسجم مع قرار مجلس الأمن الأخير حول الوضع اليمني». وعاشت صنعاء أمس يوماً طبيعياً هادئاً، ولم تشهد أية مظاهر أمنية أو عسكرية استثنائية، في حين أعلنت أحزاب تكتل «اللقاء المشترك» تأييدها لقرارات هادي ودعت مكونات «شباب الثورة» إلى تظاهرات تأييد للقرارات الرئاسية اليوم في العاصمة والمدن الكبرى. على صعيد متصل، أكد وزير العدل اليمني القاضي مرشد العرشاني ل «الحياة» أنه من غير الممكن رفع دعوى قضائية على الرئيس السابق علي صالح، وأوضح أن اليمن يسعى إلى مصالحة وطنية شاملة، «لذا من الصعب رفع أي دعوى في ظل سريان القانون الذي منح الرئيس السابق الحصانة من التقاضي». وقال العرشاني إن القضاء اليمني يتجه إلى إصدار قانون العدالة الاجتماعية الذي يعنى بالمصالحة الاجتماعية، والفصل في قضايا غير قضايا الرئيس السابق ومن عملوا معه في المجال السياسي، مشيراً إلى أن القانون الجديد لن يسقط حصانة علي صالح، لكنه سيعالج القضايا الأخرى التي قد يدعيها الرئيس ومن حوله على الآخرين بحيث تتكافأ القوى السياسية. وأردف: «عفا الله عما سلف، من أجل مصالحة وطنية حقيقية، ولا يمكن أن نخرج من النفق المظلم إلا بالتسامح في ما بيننا، وتناسي مصالحنا الشخصية، وتقديم مصلحة الوطن والأمة والأجيال ومستقبل اليمن. هذه هي الأمور التي ستذهب باليمن إلى بر الأمان».