يعد زانغ ييمو واحداً من أفضل المخرجين المعروفين من الجيل الخامس للمخرجين الصينيين. وهو أحد أهم المخرجين المحترمين الذين يعملون الآن على الساحة والذين لهم بصمة فنية، وقد لاقت السينما الصينية على يديه كما على ايدي أبناء جيله، نجاحاً غير مسبوق في تاريخها، بفضل أصالة أفلامه وحرصه على جماليات الصورة وعمق مواضيعها، وقد وضعه تميزه في مصاف أهم سينمائيي العالم. فعلاوة على فوز أفلامه بالكثير من الجوائز، دعته مهرجانات كبرى ليشارك في لجانها، فكان عضواً في لجنة تحكيم مهرجان برلين السينمائي الدولي في عام 1993، وترأس لجنة تحكيم مهرجان فينيسيا السينمائي عام 1997. وكرّمه أخيراً مهرجان القاهرة السينمائي الدولي فأصدر عنه كتاباً رصد فيه تباين أعماله ما بين أفلام فنية قليلة التكلفة لا تخضع لمتطلبات السوق، وأفلام تجارية ضخمة. وأوضح الكتاب الذي أعدّته وترجمته سهام سنية عبدالسلام، أن المخرج عمل في النوعين من الأفلام، وأنه يرى الفارق بين الافلام قليلة التكاليف مثل «الذرة الحمراء» أو «ارفعوا المصباح الأحمر»، والأفلام ذات الموازنات الضخمة مثل «البطل» أو «منزل الخناجر الطائرة» كالفارق بين السماء والأرض، كما يرى أن تباين خبرات العمل بين هذه النوعيات يطوّر من قدراته السينمائية. ويتوقف الكتاب أمام نشأة ييمو المولود في 14 تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1950 في مدينة خيان في مقاطعة شانكسي في الصين الشعبية، لوالد كان ضابطاً في جيش الكومنتانج التابع لشيانغ كاي شيك، وهو ما جعل السلطات الشيوعية تصنّف أسرته في الفئة الخامسة، وهي تقع في قاع المجتمع ويتعرض أفرادها إلى الاضطهاد، ومعاناته وأسرته من تمييز شديد ضدهم بسبب عائلتهم، حيث أخرجته السلطات من المدرسة الثانوية إبان الثورة الثقافية حين أغلقت المدارس والجامعات، وهو في السادسة عشرة، وأرسلته للعمل في المصانع والحقول. واستغرقت هذه التجربة عشر سنوات من عمره، وأثناء عمله في مصنع للنسيج باع دمه أكثر من مرة ليشتري أول كاميرا امتلكها في حياته عام 1974، وكانت هذه الكاميرا أول همزة وصل بينه وبين فن الإخراج والتصوير السينمائى، وأفاده عمله في المصنع لمدة سبع سنوات في التعرف على حياة الطبقات الكادحة في الصين، وبعد انتهاء الثورة الثقافية عام 1976 مع وفاة ماوتسي تونغ، وإعادة فتح الكثير من الجامعات، نجح ييمو عام 1978 في اختبار القبول في أكاديمية السينما في بكين، وتخرج في قسم التصوير عام 1982. وعقب تخرجه، كلف مع ثلاثة من زملائه ليعملوا مساعدي مخرج في ستوديو «جوانكسي» الذي يقع في منطقة نائية، لكنهم لم يجدوا هناك مخرجين ليساعدوهم، فشكّلوا بموافقة الحكومة فريقاً سمّوه «فريق الشباب» وبدأوا في صنع أفلامهم، وعمل ييمو في هذا الفريق مصوراً سينمائياً وممثلاً في أفلام زملائه من مخرجي الجيل الخامس، ومن بينها «محارب الفخار» و «البئر القديمة» الذي فاز عن دوره فيه بجائزة أحسن ممثل في مهرجان طوكيو السينمائي الدولي عام 1987. وتمكن زانغ ييمو من إخراج أول أفلامه «الذرة الحمراء» عام 1987، وفاز عنه بجائزة «الدب الذهبى» في مهرجان برلين السينمائي، وحقق نجاحاً نقدياً وتجارياً باهراً على المستويين المحلي والعالمي، حيث قدم صورة واقعية خشنة عن الجنس والقهر على خلفية غزو اليابان للصين والذي كان غزواً دموياً، ثم أخرج بعد ذلك في العام نفسه فيلم «الاسم السري كوجار»، ولم يترك بصمة تجعل الناس يتذكرونه لدرجة أنه يعتبره أسوأ أفلامه، وكان بالنسبة اليه فيلم مغامرات سياسياً. وفي عام 1989 أخرج مع زميله يانغ فينج ليانغ فيلم «جودو» بعد حملة القمع الدموية التي شنّتها الحكومة الصينية في ميدان تيان مين، وفاز هذا الفيلم بجائزة أفضل فيلم في مهرجان شيكاغو السينمائي، وفاز بالترشح لمسابقة الأوسكار. وفي عام 1991 قدم أجمل أفلامه «ارفعوا المصباح الأحمر»، وفي عام 1992 قدم فيلم «حكاية كوي جوي» بأسلوب مختلف عما سبقه. وفي عام 1994 قدم فيلم « أن تحيا» وهو أول فيلم صيني تباع حقوق توزيعه قبل أن يتم العمل فيه ويعرض عرضاً عاماً، وحظرت السلطات الصينية عرضه في البلاد لما فيه من نقد لسياسات الحزب الشيوعى، كما حرم ييمو من العمل بالإخراج السينمائي لمدة عامين قبل أن يخرج فيلم «ثلاثية شنغهاى» الذي يراه عملاً خاصاً وغير معتاد يعبّر عن فرديته، وخصص الكتاب فصلاً كاملاً عن أسلوب زانغ ييمو والألوان في أفلامه والأبعاد الفكرية والمرأة والجنس وشخصيات الرجال فيها.