لم يكن مخول قاصوف الذي غيّبه الموت أمس عن 65 عاماً، يفرّق بين الشاعر والموسيقي اللذين كانهما في آن، فالواحد منهما يكمل الآخر، ليس في الحياة فقط وإنما في الأعمال الغنائية والقصائده التي تراوحت بين الفصحى والعامية. ولئن أبكر في نشر أولى إسطواناته وكان له من العمر ثمانية عشرة عاماً فهو ما لبث ان اصدر ديوانه «حروف على ورق النورس» عام 1982 لينصرف من ثم الى تجربة التأليف والتلحين مشفوعتين بالغناء الذي كان يؤديه بحرية ونفحة رومنطيقية. غير ان اطلالته الحقيقية لم تكن الا غداة اندلاع الحرب اللبنانية، فهو كان في صميم الحركة الغنائية الملتزمة التي باشرت حينذاك صعودها دعماً للنضال اليساري اللبناني وتأكيداً لولادة جيل غنائي وموسيقي جديد هو جيل الأغنية الملتزمة، وكان في «صفوف» هذا الجيل خالد الهبر وأحمد قعبور وسامي حواط وسواهم. وفي موازاة هذا الجيل كان مارسيل خليفة وزياد الرحباني قد فرضا نفسيهما الأول في الغناء والموسيقى والثاني في الموسيقى والكتابة والتلحين. في هذا المناخ الموسيقي المناضل والطليعي وجد قاصوف هويته الفنية وراح يعمل على ترسيخها سالكاً طريقه الخاص ومرسخاً تجربته التي جمعت بين نزعات عدة، بين الالتزام السياسي الوطني في إطار انتمائه إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي، والنضال الاجتماعي الهادف الى تحقيق العدالة ورفع الظلم عن الطبقة الفقيرة، والغناء العاطفي الذي يبجل الحب والحياة العاطفية. كتب قاصوف كل أغانية تقريباً ولحنها، استعان مرة بقصيدة لطلال حيدر (بدوية) ومرة بقصيدة للشاعر الشهيد كمال خير بك (ضلّوا شعرا)، أما في الغناء فتعاون مع سامي حواط ويحيى الداده وزويا عوكي، على أنه انصرف إلى إداء الكثير من الأغنيات بصوته هو الذي كان يجيد التلحين له، بعدما بدأ منشداً للشعر وعازفاً على الغيتار. لكن قاصوف سرعان ما راح يطوّر نفسه، لاسيما موسيقياً حتى دخل مرتبة الاحتراف الحقيقي، هو طبيب الأسنان، المواظب على مهنته بروح ملتزمة أيضاً، مثله مثل رفيق دربه الطبيب والمثقف ريمون افرام. راح قاصوف يتعاون مع خيرة العازفين المعروفين بمهارتهم توزيعاً وعزفاً ومنهم عبود السعدي وميشال خيرالله وطوني خليفة وبسام سابا وإيلي مناسا وسواهم. وشارك زياد الرحباني في توزيع أغنيته الشهيرة «مثقفون نون» وفي العزف بعدما وجد فيها عملاً مهمّاً وقريباً إلى ذائقته. لم يكن مخول قاصوف مكثاراً في أعماله، شعراً وموسيقى وغناء، فهو كان يؤلف ويلحن ويغني عندما يشعر انه مدعو إلى التعبير عن القضايا التي التزمها، سياسياً وإنسانياً. وهذا ما تجلى في اسطوانته «مثقفون نون» الذي عمد فيها إلى السخرية من تعالي النخبة على الناس داعياً أياهم إلى النزول إلى منزلة الحياة. لم يكن مستغرباً أن ينشط قاصوف خلال سنوات الحرب وأن يذيع اسمه مع أسماء الفنانين الملتزمين والوطنيين، وأن تروج أغنياته في الأوساط اليسارية والشبابية المناضلة. لكنه بعد الحرب عمد إلى إنجاز أعمال تحمل هماً ثقافياً وعاطفياً. كان مخول قاصوف فناناً مثقفاً، يقرأ ويتابع حلقات النوادي السينمائية «السيني - كلوب» والمعارض الفنية، وكان ايضاً شخصاً رفيع الشأن، صدوقاً، بقلب مفتوح وروح جزلة.