عادت قضية الهجوم على القنصلية الأميركية في بنغازي إلى الواجهة أمس، إذ حمّل تحقيق مستقل في الولاياتالمتحدة، وزارة الخارجية الأميركية مسؤولية التدابير الأمنية والثغرات في مكتبي الأمن الديبلوماسي والشرق الأدنى، ما جعل الوزيرة هيلاري كلينتون تتعهد تنفيذ إصلاحات، فيما طالب الكونغرس بمزيد من التوضيحات حول الاعتداء. فيم أعلنت الخارجية استقالة مدير مكتب الأمن الديبلوماسي أريك بوسوال ونائبه تشارلين لامب. وبعد ثلاثة شهور على الهجوم الذي أدى إلى مقتل السفير لدى ليبيا كريس ستيفنز وثلاثة أميركيين، خلص تقرير مستقل أشرف عليه السفير المتقاعد توماس بيكرينغ ورئيس الأركان السابق للجيوش الأميركية الأميرال مايك مولن، إلى أن الخارجية الأميركية تعاني نقصاً في الجهاز الأمني، مشيراً إلى اعتمادها على ميليشيات محلية في حماية القنصلية في بنغازي. واعتبر التقرير أن مسؤولي الخارجية أخطأوا، لتجاهلهم طلب مسؤولين في السفارة الأميركية في طرابلس، إرسال مزيد من الحراس وتعزيز الحماية الأمنية للبعثة الديبلوماسية. كما لام التحقيق وزارة الخارجية، إذ انتظرت لتتحرّك، تحذيرات محددة بشنّ هجمات ضخمة، بدل اعتماد تدابير وبروتوكولات أمنية للتعامل مع بيئة أمنية تشهد تدهوراً. وجاء في التقرير أنه، خلافاً للرواية الرسمية، لم تحصل تظاهرة أمام مبنى القنصلية قبل الهجوم. ولم يوصِ التقرير بإقصاء أي مسؤول أو طرده، لكنه حدد مسؤولية التقصير بمكتبين في الوزارة، هما مكتب الأمن الديبلوماسي ومكتب شؤون الشرق الأدنى، لفشلهما في التنسيق ووضع خطة أمنية مناسبة. ووجد الفريق الذي تولّى التحقيق، أن مسؤولين أظهروا ضعفاً في «القيادة والإدارة». وخلص التقرير إلى أن معلومات جهاز الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إي) لم تقدّم «تحذيراً تكتيكياً محدداً» من هجوم، ولفت إلى «تقصير في فهم ميليشيات بنغازي والخطر الذي تمثله على المصالح الأميركية». لكنه أشار إلى أن السفير ستيفنز اتخذ قرار التوجه إلى بنغازي «في شكل مستقل عن واشنطن، وفق ممارسات عادية»، مضيفاً أن الولاياتالمتحدة أعطت «وزناً ليس عادياً لأحكامه»، بسبب معرفته العميقة بليبيا. وعلّقت كلينتون على التحقيق، فوجهت رسالة إلى الكونغرس أكدت قبولها التوصيات ال29 لفريق التحقيق، وبعضها سري. وقال مسؤولون إن كلينتون أكدت أنها ستتخذ تدابير محددة لسدّ الثغرات، مشيرين إلى أن الخارجية طلبت، لتحقيق ذلك، إذناً لتحويل أموال قيمتها 1.3 بليون دولار، كانت مخصصة للعراق. وقالت كلينتون إنها أمرت بتغييرات واسعة لتعزيز أمن البعثات الديبلوماسية في الخارج، لافتة إلى أنها أصدرت تعليمات إلى الوزارة لتنفيذ توصيات لجنة التحقيق «بسرعة وفي شكل كامل». وحددت خطوات لتعزيز أمن المنشآت الديبلوماسية الأميركية. وأضافت أن الولاياتالمتحدة سترسل مئات من الحراس الإضافيين من مشاة البحرية (مارينز)، لحماية تلك المنشآت في الخارج، وستطلب مزيداً من الأموال لتحسين تدابير الأمن، كما ستعيّن مسؤولاً في الوزارة للإشراف على «المواقع التي تواجه تهديداً مرتفعاً». واعتبرت كلينتون في رسالتها أن التقرير يعرض «نظرة واضحة إلى التحديات الخطرة التي باشرنا معالجتها... من واجب الجميع في الخارجية ضمان أمن الديبلوماسيين، لكنها مسؤوليتي أنا اكثر من سواي، بصفتي وزيرة للخارجية». وكانت لجنة مستقلة أُوكِلت إليها مهمة التحقيق في هجوم بنغازي، قدمت تقريرها إلى الخارجية الاثنين الماضي. وأرسلت الوزارة نسخة مطولة سرية عن التقرير، إلى الكونغرس، نوقشت في جلسة مغلقة أمس. ويمثل اليوم وليام بيرنز وتوماس نيدز، نائبا وزيرة الخارجية، أمام اللجنة، كما يُحتمل أن يُطلب من كلينتون الإدلاء بشهادتها على رغم تغيّبها عن جلسة امس، لأسباب صحية كما أعلن مكتبها. ويخشى أنصار الوزيرة أن يؤثر هجوم بنغازي في رصيدها، وفرص ترشحها للرئاسة السنة 2016. وكلينتون هي الأكثر شعبية في إدارة الرئيس باراك أوباما، بنسبة تأييد تتعدى 65 في المئة. وكان الهجوم حرم المندوبة الأميركية لدى الأممالمتحدة سوزان رايس من خلافة كلينتون في الخارجية، إذ أعلنت بعده أنه ليس عملية إرهابية، مستبعدة تورط تنظيم «القاعدة»، وهذا ثبت لاحقاً أنه تقدير خاطئ.