أقرأ صحفنا فيصيبني الإحباط من شكاوى المواطنين من الخدمات الصحية المتردية، ولولا أنني مررت بتجارب مماثلة لقلت إن هناك مبالغة في الطرح، إذ اصبحت الخدمات الطبية نخبوية بامتياز... خادم الحرمين الشريفين وولي عهده يؤكدان دوماً على ان خدمة المواطن أولوية ونعلم جميعاً ان قلبيهما على هذا المواطن، وسبق ان قال الملك للوزراء ان لا عذر لهم فالاموال متوافرة وما عليهم الا العمل، ان سوء الخدمات مزدوج، فهناك نقص في الاسرة وندرة في المشافي التخصصية في المناطق البعيدة، يضاف الى ذلك – وهو الأهم - سوء تعامل وإهمال غير مبرر من بعض الاطباء، وهو ما لا يليق بمن يحمل اشرف رسالة انسانية، مع الاعتراف بأن هناك اطباء مميزين تَشرُف المهنة بهم، فتعاملهم انساني واخلاصهم يفوق الوصف، ولكنهم للاسف قلة يشوهها الكثير من مرتزقة الطب. اثناء مرض والدتي - رحمها الله - لم نواجه مشكلة في الحصول على سرير، ولكننا فوجئنا بالتعامل غير الانساني من بعض العاملين، فقد سأل احد اشقائي طبيبة عربية - منقبة بالكامل - عن الوضع الصحي لوالدتي فأجابت بطريقة استفزازية تنم عن احتقار واضح لهذا الوطن وأهله الذين انشئ المستشفى لأجلهم، وعندما تدخلت مبدياً اعتراضي على اسلوبها غير المهذب زادت في غيها بكلام لا يليق نشره هنا، وعلى رغم ألمنا بمصابنا إلا ان هذه الطبيبة زادت همنا، وتساءلنا إن كنا يجب ان نثق بخدمة طبية يقدمها مثلها، ولم نطمئن الا بعد ان قيض الله لوالدتي طبيباً آخر بجنسية اوروبية تعامل معها ومعنا بإنسانية متناهية، إذ كان على مستوى عالٍ من المهنية والاخلاق، اذ كان ينعتها بوالدتي ويرد على اتصالاتنا في كل وقت ويجيب بأريحية لا يقدر عليها الا القلة من الناس، لا أدري عن القيم التي تحملها تلك الطبيبة التي بلغ الالتزام الديني لديها حد التوشح الكامل بالسواد وتغطية الوجه، ولكني اعلم انها ليست الوحيدة في منشآتنا الطبية التي لا يتواءم مظهرها مع سلوكها الذي ابعد ما يكون عن الاسلام وقيمه السامية. ذكرتني هذه الطبيبة باستشاري سعودي شهير راجعته بأحد اقاربي، وكان تعامله الفظ واخلاقه السيئة من ادنى مستوى، اذ كان المريض ينتظره في غرفة الطوارئ بمستشفى خاص في حالة يرثى لها، ولم يأتِ الا بعد مرور ثلاث ساعات وهو يرتدي بدلة رياضية وتفوح منه روائح العرق، دخل على المريض وسأله بفضاضة عن مشكلته، وكتب له الدواء بسرعة وغادر ربما الى غرفة طوارئ أخرى بمستشفى آخر، بعد ان تحسنت حالة المريض دفع خمسة آلاف ريال لذلك الاستشاري، وهو ربما اغلى أجر في التاريخ، إذ إن الدقيقة بألفي ريال فقط. الأمثلة كثيرة والمساحة لا تكفي لسردها وربما لدى كل واحد منكم امثلته، فالخدمة الطبية غير متاحة وإن اتيحت فالخدمات سيئة وتعامل الاطباء واستهتارهم وصل حداً لا يطاق، فالاجنبي يركز على علاج ابناء جلدته ويريد ان يجمع اكبر قدر من المال قبل ان يقدم على جنسية اجنبية ويغادر، وابن الوطن أعماه الجشع فأصبح يركز على عمله الخاص على حساب عمله الحكومي، والضحية في النهاية هو المواطن، إنني أناشد المسؤولين واقول إن الامور بلغت حداً لا يطاق، فالاموال متوافرة وتحتاج فقط الى تخطيط سليم وحسن إدارة، ومن الواضح ان لدينا مشكلة بهذا الخصوص، كما ان الحزم مطلوب، فإهمال بعض الاطباء واستهتارهم بأرواح الناس لم يعد يحتمل، او يخفى على احد.