«لست وحدي»، هكذا تصف نفسها أكاديمية سعودية ارتمت في أحضان المدونات، فأهدتها خواطرها منذ سبعة أعوام، بعدما وجدت في الصحف الورقية «حائط صد»، يغربل ويفلتر الكلمات، ويمنع القيل والقال، حسب وصفها. «لست وحدي»، كلمات عمقتها تجربة كاتبة شابة، رفعت كما تقول شعار الكلمة في وجه الصمت الذي يغتال المرأة، لكنها سرعان ما انتفضت ضد الرجل، في آخر مدوناتها المدولة، عبر الفضاء الأمريكي. هي ترى أنها «ليست وحيدة»، وهم يرون أنها «ليست وحدها»، وما بين الرؤيتين فضاء واسع، اسمه لماذا بئر المدونات الدولية. «شمس» فتحت لأستاذة الأدب الإنجليزي في كلية دار الحكمة الكاتبة الشابة مها نور إلهي، المجال لتقول داخل مجتمعها، ما تريد توصيله لبنات مجتمعها، رغم أن الحيز لا يمكن أن يوفر كل ما يقال. مَن وراءك؟ هل هناك من يدفعك لطرح مثل هذه المقالات الجريئة، ويتوارى عن الظهور؟ كنت أحسب أن تسألني ماذا يدفعني لتلك المقالات، وليس من، فالموضوع هو المحفز، ولست أنوب عن أحد، وهذا لا أساس له من الصحة. لا للصورة تنادين بحقوق المرأة وتحرير الرجل وترفضين خروجك بصورة في الإعلام، ما سر هذا التناقض؟ هل الحرية مرتبطة بصورة؟ إذا كان هذا هو المبدأ السائد، فكل أسرى العراق كانوا أحرارا عندما كانت صورهم تنشر في الصحف، وكل المجرمين في العالم أحرار لأن صورهم تنشر في كل مكان. أرفض نشر صورتي لعدة أسباب لا علاقة لها بالتحرر أو عدمه، من خلال ملاحظتي لبعض الكاتبات الرائعات، أجد أن الصورة سببت الكثير من اللغط، فلو كانت الكاتبة غير جميلة، وكتبت عن حقوق المرأة أو رفضت غطاء الوجه، يقال لها: من زين وجهك؟ لو تتغطين أحسن! ولو كانت جميلة، اتهمت بأن سر نجاحها هو جمالها واتهمت بما هو أسوأ، فبعض الكاتبات لا يهمهن هذا الأمر، ولكن أنا يهمني ولا أريد لمن يقرأ لي أن يركز على شكلي، ولا أريد أن يصبح مظهري هو القضية، بل أريد لمن يقرأ لي أن يركز على فكري، فأنا لستُ مطربة ولا فنانة، عندما يتحرر المجتمع من هذه النظرة المهينة للمرأة، فسأقبل بنشر صورتي، علما بأنني لستُ الكاتبة الوحيدة التي ترفض نشر صورتها. للأسف يتم استغلال مظهر بعض النساء لزيادة المبيعات، ويصر الإعلام على ربط الثقافة والتحرر بصورة أنثى، وهذا أكبر دليل على أننا ما زلنا نعيش في عصر ينظر للمرأة بدونية، وأيا كان مظهري فهذا ليس من شأن القارئ، ومن يريد رؤية صورتي، لا يضيف لي شيئا ولا أحتاج إليه ليقرأ لي. ومن أين تستقين أفكار موضوعاتك؟ أنا مؤمنة جدا بمقولة لأحد الشعراء الإنجليز: إن لم يأتِ الشعر من تلقاء نفسه، فخير له ألا يجيء. والمقال أو الخواطر، إذا لم تنبع من القلب والعقل من تلقاء نفسها، فستكون عبارة عن نصوص موجّهة ومقننة ما يفقدها الكثير من مصداقيتها وجمالها. أرى نفسي كاتبة حرة ولست ملتزمة بصحيفة أو واجب كتابي، لذا عندما أكتب لا أفكر بما سيقوله الآخرون عما أكتب، بل أفكر كيف سأكتب ما أشعر به وأعبر عنه على أفضل وجه، لذا كتاباتي تأتي على نوعين، بعضها يصلح للنشر، وآخر لا يصلح للنشر، وهو نوع لا أعدّله ولا ألمعه بل أبقيه لنفسي ليوثق تاريخي الوجداني والفكري، وليكن لدي ما يسمى بملفات مها السرية. مرجعية دينية وهل للمراجع الفقهية دور في مرجعية الكتابة؟ إذا كنت أكتب في موضوع ديني، فعادة ما أعود لعدة مراجع مثل كتاب فقه السنة للسيد سابق وكتب الشيخ محمد الغزالي والشيخ الشعراوي، رحمهم الله. ولكن إذا كنتُ أعبر عن رأيي في قضية ما، فلا أعود لأي مرجع. أعتقد أن لدي حصيلة ثرية من الكتب والكتاب الذين تأثرت بهم مثل العقاد والرافعي والشيخ الطنطاوي، وكذلك أحلام مستغانمي وغادة السمان والأستاذ الكبير محمد الرطيان وفقيد الفكر الدكتور غازي القصيبي، وأيضا أقرأ للكثير من الكتاب الأجانب أمثال برنارد شو وتي إس إليوت ومارك توين وغيرهم. هل تصفين نفسك كاتبة متحررة، أم أكاديمية، أم أنثى تدفعها غيرتها للمطالبة بحقوق المرأة؟ للأسف نحن مقيدون بالأسماء.. ما الفائدة أن أطلق على نفسي أكاديمية أو متحررة إذا لم أكن كذلك فعلا، ما أحب أن يقوله الآخرون عني هو ما يشعرون به وليس ما أريده أنا، كل ما أكتبه يعبر عن إنسانيتي ومشاعري وأفكاري ولا يعبر عن اتجاه فكري أو اجتماعي معين، فلا أحب أن أرى نفسي منتمية لأي من الأسماء الكبيرة. وأعتقد أن الكثيرين يسيئون فهمي في مسألة حقوق المرأة، أنا لا أدافع عن حقوق المرأة فقط، بل حقوق الرجل وحقوق الطفل والمراهق، أي عن حقوق الإنسان بشكل عام سواء كان رجلا وامرأة، ولي العديد من المقالات التي تنتقد وتدين المرأة والرجل على حد سواء وتلك التي تدافع عن الرجل والمرأة أيضا. تحرير الرجل برز اسمك في مدونات «سي إن إن» عبر موضوع تحرير الرجل، كيف تريدين تحريره، وممن؟ يتم تحرير الرجل عندما يتلقى تعليما راقيا يليق بإنسانيته، وعندما يتزوج من يختارها قلبه وعقله بملء إرادته، وعندما لا يتم إخراسه إذا قال كلمة الحق، وعندما يعمل بجد ويأخذ راتبا كافيا ليعيش حياة كريمة هو وأسرته، عندما يكون لكل رجل مبدع في عمله تقدير مادي ومعنوي، عندما يتربى على أن المرأة إنسان مثله ولم تخلق لمتعته فقط، عندما يستطيع أن يلفظ اسم أمه وشقيقاته أمام الرجال، وعندما يفخر بإنجازات زوجته وشقيقاته كما يفخر بإنجازاته، عندما يؤمن في قرارة نفسه أن المانع والمعطي لحقوق المرأة ليس هو، بل الله والشرع. وهل زوجك من ضمن من هم بحاجة إلى تحرير؟ نحن لا نزال في مجتمع تحكمه التقاليد والعادات وكلام الناس، لذا لا يزال أمامي وأمام زوجي الكثير لنتحرر. أولا يكفي تحررك كامرأة أنك موظفة وأكاديمية، وكاتبة مدونات؟ عملي وكتاباتي جزء من دليل على أن المرأة أصبحت حرة إلى حد ما، لكنني أمثل نسبة بسيطة من نساء المجتمع، والبقية لا تزال تعيش في ظل معتقدات تنظر إليها على أنها لا قيمة لها بلا زواج أو مال أو جمال. وهل ترين التحرر في تقلد المرأة دور المعلمة في مدارس وجامعات البنين؟ التحرر يعني اختيار الأكثر كفاءة وقدرة بغض النظر عن الجنس، والكفاءة لها مقاييسها المعروفة في كل مجال. أفهم من حديثك أن المرأة يجب أن تنتفض لتحرر الرجل؟ تتحدث وكأن المرأة حرة لتحرر رجلها، يجب أن نفهم معنى الحرية أولا ونعين بعضنا على فهم معنى التحرر الحقيقي، الحرية ألا تنتظر شيئا من أحد كما تقول الكاتبة أحلام مستغانمي، وأن تدور حياتك حول المبادئ الإنسانية السامية، لا حول الأشخاص أو الأشياء، الظلم ليس حرية، وكذا الاختلاس، وعدم إتقان العمل، وتحقير الآخرين، الواسطة، الطبقية. أستطيع أن أقول: لنلتفت الآن للمسائل البسيطة، حرية الرجل والمرأة على المستوى الشخصي، أما أن نتحدث عن تحرير المرأة أو الرجل عموما فهذا خروج عن فهم ثقافة الأولويات. تدعين إلى تحرير الرجل، بينما لديك أطروحات تنتقصين من حق الرجل؟ لأن بعض الكتاب والمثقفين ممن ينتفضون لتحرير المرأة لا تهمهم مصلحة المرأة في حقيقة الأمر، بل يفعلون ذلك لأغراض في نفوسهم، كالشهرة مثلا أو تجميع أكبر عدد من المناصرات لهم، وهناك فريق يدعي مناصرته للمرأة حتى يوصلها لمرحلة من الانفلات ليستمتع بها، ويكحل عينه بالدمى الجميلات في كل مكان، هي قضية تصب في مصلحة الرجل أولا وأخيرا، وبعض المثقفين جاهل بما تشعر به المرأة وما تعانيه حقا، وتجده في حياته الخاصة أسوأ من يعامل المرأة، ويؤيد كلامي تصريحات الكاتب الأمير بدر بن سعود في محاضرة ألقاها في أدبي حائل حذر فيها النساء من تصديق دعوات التحرير من بعض المثقفين الذين يقولون ما لا يفعلون. في رأيي، لا تحرر المرأة إلا المرأة نفسها، والرجل الذي يدعي أنه نصير المرأة، فليبدأ بنفسه وزوجته وبناته وكفى، وله منا كل تقدير واحترام. ألا نعتبرها انتفاضة ضد الرجل؟ هي ليست دعوة تحريض ضد الرجل، بل دعوة ضد الظلم من أي شخص كان، لا أحرض أي امرأة على زوجها إذا كان كريم الخلق وعارفا بواجباته، لكن اللئيم الذي يهين المرأة، هذا يحتاج إلى صفعة مجتمعية ليفيق من فكرة أنا رجل ولي كل الحقوق. أنهيتِ مقالة تحرير الرجل بجملة مبهمة «مساكين الرجال ونحن مساكين، يا ترى هل عرفتم من الملوم»، من تقصدين؟ أعتذر عن الإجابة على هذا السؤال لأن إجابته ستضر بي. مشاكسة الرجال أغلب مواضيعك عن الرجال، هل تتعمدين مشاكسة الرجال؟ أكيد أحب مشاكسة الرجل، هناك كم هائل من الكتاب الذين لا هم لهم سوى انتقاد المرأة والسخرية منها، وأعتقد أن دور النساء جاء الآن ليصبحن طرفا في اللعبة التي كان الرجل يلعبها وحده. ولكنك تتحيزين إلى الرجل في العديد من أطروحاتك رغم أنك امرأة؟ لا أتحيز للرجل، بل للحق، سواء كان مع الرجل أو مع المرأة. * هل لديك تجربة شخصية دعتك إلى هذه الموضوعات؟ ليست فقط تجاربي الشخصية، بل تجارب الكثيرين التي شهدتها معهم، كون الإعلام غافلا عن حقوق الرجل، فهذا لا يعني أن الرجل حاصل على كل حقوقه، الإعلام لدينا وأيضا حول العالم يسلط الضوء على المرأة لأنها الورقة الرابحة، ولأن الإعلام التقليدي لا يبحث عن الحقيقة ليخرجها للنور ويعلمنا بها، بل يبحث عما يبيع أكثر ويكسب أكثر. ما المجال الذي يمكن للمرأة العمل فيه؟ أي مجال تكون معطاءة ومنتجة ومبدعة فيه، ولا يتعارض مع أنوثتها وأمومتها ورقتها، ويحقق لأبناء مجتمعها منافع وخدمات تنقصهم، أما أن تعمل المرأة بلا فائدة ولا هدف، فهنا يصبح عمل المرأة حراما وخسارة وهدرا للوقت والجهد والمال. وكيف تنظرين إلى عملها كاشيرة؟ وجدت الموضوع برمته سخيفا جدا، القرار ومنعه كلاهما في منتهى اللامنطقية، لأن الجهات المشغلة ما زالت توظف عمال نظافة وافدين، أما المرأة فهي تعمل الآن في كل مكان، في المستشفيات والشركات، ولا أدري ما الفرق بين أن تكون كاشيرة وأن تكون موظفة استقبال؟ وإن كانت الأخيرة يتم استغلالها بأسوأ شكل، والمنع دليل على التخبط، فلا يعرفون ماذا يريدون من المرأة، ربما يريدونها أن تعيش في نفق، وربما مديرة شركة كبيرة، لكن كاشيرة، حاشا لله! القيادة والرياضة وماذا عن قيادة المرأة للسيارة، حق أم خلاف ذلك؟ أقول: أصلحوا الشوارع أولا لتليق بإنسانيتنا، فأنا لا أرى قيادة السيارة قضيتنا الكبرى، هي موضة، وموضوع للفرقعات الإعلامية، وقضية فرعية الهدف من جعلها حديث الساعة هو تمييع القضايا الكبرى. ما رأيك في الدورات الرياضية التي أقيمت أخيرا، وهل تدعين إلى رياضة نسائية مطلقة داخل الكليات؟ الدورات الرياضية ليست شيئا جديدا على مدارس وكليات جدة، ولا يرفض الرياضة للبنات إلا محب للنساء السمينات، أو المريضات بداء الكسل وقلة الحركة والحيوية، وأدعو بشدة إلى الرياضة، فهي على الأقل تشغل الفتيات عن التسكع في الأسواق أو التحدث عبر البلاك بيري بالساعات. خروج بدوافع ما الدوافع وراء خروجك عن المسار التقليدي عن الأكاديميات السعوديات؟ لا أعرف ما هو المسار التقليدي، أنا أكتب ما أراه في مجتمعي، وأنقله بكل صدق للقارئ. كيف تربين النشء وأنت تقفين في المواجهة مع المجتمع؟ ليس هناك تناقض في هذا الأمر، أنا أربي أبنائي ليقولوا «لا» لكل خطأ في مجتمعهم، على ألا يهينهم أحد أو يقلل من إنسانيتهم، وحتى يغيروا ما يستطيعون بطريقة إيجابية، على أن يبدؤوا بأنفسهم، وعلى أنه لا وجود لحقائق مسلم بها إلا تلك التي نزل بها القرآن أو جاءت في الحديث. هل في الكلية من يوافقك على أطروحاتك؟ نعم بالتأكيد، الكثيرات من زميلاتي وطالباتي هن أهم قارئات ومتابعات لي