ليس من المستغرب أن يجهل الذاهب إلى فرع وزارة البترول والمعادن في الظهران، ماهية ذلك المبنى الأسمنتي الذي يقع بجواره، والمحاط بالأسلاك الشائكة، وتربض في أركانه مجموعة من السيارات الرباعية التي يعتليها رشاش آلي، بأنها القنصلية الأميركية. يعود ذلك الجهل بحكم انعزال القاطنين خلف أسوار ذلك المبنى الضخم، وانعدام علاقتهم الاعتيادية مع الجمهور العادي الذي لا يبحث خلف تأشيرات السفر. لذلك بادر القنصل الجديد، جوني هود، والذي لم يمضِ على فترة تواجده في قنصلية الظهران سوى أربعة أشهر فقط، بإقامة مأدبة غداء لمجموعة من الإعلاميين السعوديين، وتخللها زيارة مرافق المكان، وخاصة ما يتعلق بإجراءات السفر التي تستصدر منها الفيزا، وذلك يوم أمس. البداية كانت مع مسؤول قسم التأشيرات سكوت ديكستيل، الذي أخذهم في جولة بالقسم، والذي بدا شبه خالياً من المراجعين. وكان كل مراجع لا يستهلك الكثير من الوقت، حيث تتراوح فترة مقابلته ما بين دقيقتين أوثلاث دقائق، يتخللها سؤال عن الاسم، وجهة العمل، وسبب السفر إلى أميركا، وأي ولاية يقصد، ثم يأتيه القبول في ظرف أسبوع من موعد المقابلة، والتي عادة تكون نتيجتها الإيجاب، كما حدث ذلك مع 95 في المئة ممن تقدموا، بحسب ديكستيل الذي أشار إلى أن سبب قلة المراجعين هو «تنظيم مواعيد قدموها عبر الموقع الإلكتروني التابع للقنصلية، إضافة إلى جعل فترة ما بعد الظهر لخدمة الرعايا الأميركيين». دانا الإبراهيم، أميركية من أصول كويتية، تعلمت اللغة العربية في الأردن، كانت هي من تجري المقابلات مع المتقدمين. وتذكر الإبراهيم، أن عملية إصدار الفيزا «تمتاز بكثير من التسهيلات»، معتبرةًً أن «زيادة مستوى الخدمة ساهم في تقليل فترات الانتظار». علماً أن زيادة الخدمة جاءت متسقة مع زيادة 20 دولاراً على رسوم استصدار الفيزا منذ أبريل الماضي. تجاور دانا، في قسم الاستقبال، راين كراولي، والتي ترى أن السعودية «بلد جميل، وأهله طيبون»، إلا أنها لا تفرّق بين الوجبات السعودية والوجبات العربية الأخرى، حيث تذكر أنها من محبي «ورق العنب، والكبة، والكنافة» مبينة فرحتها «بتعلم اللغة العربية في إحدى الجامعات الأميركية»، إلا أنها تؤكد عدم إتقانها لها بعد. اللبنانية ريما الخوري، والسوداني محمد خليل، كانا يقومان بوظيفة الترجمة الفورية لكل ما يدور من أحاديث وينقلانها للإعلاميين، الذين انفردوا بديكستيل، في إحدى المقاهي المقامة داخل القنصلية، ليسألوه عن عدد الفيز التي تصدر يومياً، حيث ذكر لهم أن عددها «يقارب 100 تأشيرة»، مبيناً أن «قنصلية الظهران لوحدها تصدر سنوياً قرابة 21 ألف تأشيرة، ما بين دراسة وزيارة. حيث يتمتع الطلبة السعوديون في الجامعات الأميركية بمعاملة جيدة»، رافضاً أن تكون حادثتا حميدان التركي، وخالد الدوسري «قد أثرتا على عدد المبتعثين ونظرتهم للوضع هناك»، معتبراً في الوقت نفسه «أن سور القنصلية العالي لا يعني انفصالنا عن الناس، وعدم التواصل معهم». ديكستيل، ابتسم من سؤال «الحياة» عما إذا كان هناك سعوديون قد تقدموا بطلب الهجرة إلى الولاياتالمتحدة الأميركية، حيث قال: «يوجد متقدمون لطلب الهجرة»، لافتاً إلى أنه «عدد قليل، ولا يقارن بطالبي الهجرة في الدول الأخرى». بعد ذلك خرج الإعلاميون متجهين إلى بيت القنصل جوني هود، والذي يعود للمملكة بعد أن أقام فيها قبل عشر سنوات من الآن في الرياض. هود، كان لبقاً ويحاول أن يبادر الإعلاميين بالسلام ومخاطبتهم بمفردات عربية، ك «السلام عليكم» و «أهلاً وسهلاً» و «شلونكم؟». وعلى ذات الوتيرة كان يقوم مدير الشؤون العامة بالقنصلية ألن بروكس لشور، الذي كان يحاول أن يقيم أي حوار مع الإعلاميين ليتدرب لسانه على المفردات العربية، وعندما يخطئ يلتفت لزميلته ليعرف طريقة النطق الصحيحة. القنصل أعلن في بداية لقائه مع الإعلاميين عن ميوله الرياضية وتشجيعه لنادي «الفتح» الذي يتصدر الدوري السعودي حالياً، مؤكداً تشجيعه كل ما هو «شرقي» على حد قوله. وتفاجأ من سؤال «الحياة» عن نظرته للإعلام السعودي ومستوى الحرية فيه، وحوّل السؤال عن أهمية الإعلام ودوره الكبير في كشف الحقائق، و توعية الناس، متملصاً من الإجابة عن تقييمه، إلا أن إصرار «الحياة» دفعه لأن يقول: «أنا لا أقرأ الإعلام السعودي المكتوب باللغة العربية، وذلك لعدم إتقاني لها، ولكني أقرأ ما يكتب سعودياً باللغة الإنجليزية»، معتبراً الإعلام «قفز قفزة رائعة خاصة في قضية حرية الرأي، وذلك عبر تناول الكثير من القضايا التي لم تكن تطرح قبل عشر سنوات عندما كنتُ في السعودية». وبيّن أن قنصلية الظهران، والتي أُسست في أربعينيات القرن الماضي، «تخدم حوالي 15 ألف مواطن أمريكي» مؤكداً أن الأميركان «يحظون بقبول وترحيب من قبل المجتمع السعودي». مساعدة بوب كوبنك، بينت ل «الحياة» أنه «لم تسجل أي حالة عنصرية تجاه الرعايا الأميركان في السعودية»، وأن الحكومة الأميركية «تحرص قبل إعطاء أي أميركي تأشيرة لدخول السعودية، أن يقرأ عن ثقافتها المحلية، وكيفية التعامل فيها».