تبدو الحاجة ملحّة أمام هذه التحديات «الكبيرة» لاستيلاد خطاب فكري تتبنّاه دول الخليج لمعالجة التحديات الأمنية التي تشهدها المنطقة، وكذلك التحديات الداخلية. ويرى الدكتور عبدالعزيز بن صقر أن «الخطاب الفكري يجب أن يركز على هدف أساسي، وهو تأسيس قواعد «الحصانة الفكرية» للمواطن تجاه التأثيرات السلبية والتدخلات الخارجية ذات الأهداف التحريضية والتخريبية»، لافتاً إلى أننا «نعيش في عصر الانفتاح الإعلامي، وسيطرة وسائل التواصل الاجتماعي على حياتنا، وخضوع المواطن لهذه التأثيرات السلبية من جميع الاتجاهات. فالمجموعات الإرهابية تستخدم خطاباً فكرياً خاصاً، والمجموعات الطائفية تستخدم الأساليب ذاتها، والدول المعادية تحاول أن تخصص خطاباً فكرياً مؤثراً فينا». ويعتبر ابن صقر أنه «من واجب الدولة أن تعدّ خطاباً فكرياً ذا صدقية، يعتمد على الحقائق وعنصر الشفافية، وليس خطاباً يتجه إلى العواطف، لأن الزمن عفا على هذا النوع من الخطابات، وتجاوزنا مرحلة الاستخفاف بعقل المواطن وافتراض جهله وأسلوب إخفاء الحقائق»، مردفاً: «إن المعركة الفكرية اليوم أهم بكثير من المعارك الحربية ولا يجب إغفال هذا الأمر. فتطوير الخطاب الفكري والاستراتيجية المضادة للخطاب الفكري المعادي، يعدّ أحد أهم أسلحة الدولة، لضمان أمنها واستقرارها من الاختراقات المعادية». بدوره، يقول الدكتور عبدالخالق عبدالله: «إن دول الخليج عُرفت بموقفين فكريين من الأهمية بمكان أن نبرزهما، أولهما أن هذه الدول محافظة قبلية قليلاً، وحكوماتها ملكية لا تفضل الزخم الكبير من التحولات، ولا تطالب بتغيرات جذرية وثورية. فالأخيرة غير موجودة في تاريخنا الفكري». وأضاف أن «أبناء هذه المنطقة وشعوبها يؤمنون بالتدرج وليس لديهم تاريخ عنيف في الثورات والانقلابات، بل هناك رغبة في البقاء والاستمرار»، مؤكداً أن «قوى البقاء والاستمرار قوية جداً، بما في ذلك بين الجيل الجديد، الذي ربما يطالب بالإصلاح، ولكنه لا يطالب بثورات وتغيّرات جذرية، عدا القليل منهم»، مؤكداً على سيادة «سمة المحافظة الفكرية، التي لها قيمة كبيرة ولها مؤسساتها وعقليتها، وهي مسيطرة وراسخة مهما بلغ بنا الانفتاح». الموقف الفكري الآخر الذي يشير إليه عبدالخالق، هو ما عُرف عن شعوب المنطقة من «الاعتدال الفكري في المطالبات والسلوك»، مستدركاً أن «التطرّف موجود دائماً في الزوايا، وليس في الجسم الرئيس لمجتمعاتنا. وأعتقد أن هذا أيضاً صحيح حتى في السعودية، على رغم الحديث عن الوهابية والحنبلية والتشدد والتزمّت، لكن غالبيتها ليس من النوع الذي يطالب بثورات وانقلابات، بالعكس، فهي تحافظ على الوضع الحالي أكثر ما يحافظ عليه الوسط الليبرالي». وتابع: «إن الاعتدال مهم وكذلك المحافظة، وهذه أهم مرتكزات البعد الفكري، الذي ربما كان من الأسباب المهمة لهذا الازدهار والاستقرار اللذين تتمتع بهما دول الخليج، بعيداً عن الثروة المالية التي حققها النفط، فهو وإن كان مهماً، لكنه وحده ومن دون فكر معتدل ومحافظ ليس له أية قيمة، فالعراق وليبيا والجزائر تملك نفطاً، ولكنها تفتقد الازدهار والاستقرار لغياب الاعتدال والمحافظة».