دول الخليج العربية تنظر إلى واقع ومستقبل العلاقات مع إيران من منظور واضح يعتمد على حتمية الصيرورة التاريخية، ديمومة بقاء الجوار الجغرافي، الأخوة في الدين، والمصالح المشتركة. و هذه الدول تعتقد أن هذه الأسس والثوابت تمثل منطلقاً للسياسة الإيرانية تجاهها رغم تأثير المتغيرات السياسية الداخلية في إيران ، والنفوذ الدولي ، ومصالح الدول الكبرى التي تتسبب في تغييرات مرحلية لكنها ليست جذرية أو دائمة على الأقل، لكن سياسات طهران لا تبدو كذلك خاصة في العصر الحديث الذي بدأ منذ رحيل بريطانيا عن المنطقة في مطلع سبعينيات القرن الميلادي الماضي ومازالت هذه السياسة مستمرة بل متصاعدة ، فكلما هدأت الخلافات وانتهجت دول الخليج العربية سياسة الانفتاح والتقارب مع إيران أرسلت طهران إشارات خاطئة، ورسائل مفخخة لنسف هذا التقارب وتفجير علاقات حسن الجوار التي تعزز أواصر التقارب والتعاون، ودول الخليج العربية مازالت تتعامل مع طهران وفقاً سياسة حسن الجوار رغم تفهمها الكامل للرسائل الإيرانية، ولا تتعامل معها بنفس اللهجة التي تحمل نبرات التعالي التي تصل إلى حد الغطرسة والتهديد المباشر لاستقرار وأمن دول الخليج العربية. عدم التصعيد الخليجي ليس عن ضعف ولكن عن رغبة أكيدة في تعميق التعاون مع الشعب الإيراني المسلم والجار، وتجنيب المنطقة ويلات الصراع الذي يستنزف الموارد ويفتح الباب للتدخلات الخارجية، كما أنها موقنة أن الصراع لم ولن يغير من جغرافية المنطقة أو يطال استقلال دولها الحرة ذات السيادة على أراضيها وقدرتها في الدفاع من ترابها الوطني وسلامة شعوبها مهما كلفها ذلك من ثمن. دول مجلس التعاون قدمت ومازالت تقدم لإيران إشارات قوية ومواقف واضحة غير قابلة للتأويل مفادها عدم إلحاق الضرر بها، فهذه الدول كانت ومازالت ضد توجيه أي ضربة عسكرية أجنبية ضد البرنامج النووي الإيراني، ولم تؤيد أي عقوبات اقتصادية على طهران، ومع ذلك فإن إيران لم تكف يوماً عن التهديد والوعيد والإنذار بالمزيد لدرجة أنها تعلن وعلى لسان كبار المسئولين أن دولة خليجية مستقلة وذات سيادة وعضو في كافة المنظمات الدولية والإقليمية ، وعضو مؤسس في مجلس التعاون الخليجي أنها جزء من أراضيها وهي مملكة البحرين ، وطهران تعلم يقيناً أن البحرين جزء أصيل وغال من شبه الجزيرة العربية منذ ما قبل التاريخ مروراً بدولة دلمون وحتى الآن وستظل كذلك وستكون دوماً عصية على الطامعين، ونذكر طهران بنتائج استفتاء عام 1969م، الذي وضع حداً لأطماع إيران الشاه التي بدأت منذ العام 1941م ، إثر اكتشاف النفط في البحرين حيث بدأت موجات الهجرة الإيرانية إلى البحرين ، و استمر نهج التصعيد الإيراني بعد ذلك وتوالت التصريحات الإيرانية المناقضة لسياسات حُسن الجوار والعمق الإسلامي والتاريخي في العلاقات الخليجية الإيرانية ففي العام 1975م أصدرت الحكومة الإيرانية قراراً بضم مملكة البحرين وأطلق عليها القرار اسم الإقليم الرابع عشر ، وهذه المزاعم ظهرت مجدداً على لسان رئيس التفتيش العام بمكتب المرشد العام للجمهورية الإسلامية لإيرانية على أكبر ناطق نوري في فبراير 2009م ، حيث زعم (أن مملكة البحرين كانت في الأساس المحافظة الإيرانية الرابعة عشرة وكان يمثلها نائب في مجلس الشورى الوطني الإيراني). وكشفت طهران عن سياسية غير مقبولة تجاه الأحداث الطائفية التي اندلعت في البحرين في شهر فبراير الماضي حيث ساندت بوضوح معلن هذه الأحداث على أسس طائفية بحتة، وتجددت معها التصريحات المستفزة من طهران معلنة بذلك التدخل العلني في شئون دولة أخرى مستقلة وذات سيادة إضافة إلى تكرار الأطماع الإيرانية في مملكة البحرين. كما أن للسياسة الإيرانية وجهاً عسكرياً تآمرياً ضد دول مجلس التعاون الخليجي ، يتمثل في دعم القلاقل والانقلابات والتجسس، وبدأت هذه السلوكيات الإيرانية منذ أن أعلنت البحرين في العام 1996م، عن تفكيك تنظيم سري باسم (حزب الله الإيراني) وأوضحت أنه يسعى لقلب نظام الحكم، وأن المتهمين تدربوا في طهران ، والأمر لم يقتصر على مملكة البحرين فقط ، فقد أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة عن تفكيك شبكة تحمل الاسم ذاته (حزب الله الإيراني) في العام 2009م، وفي العام المضي أعلنت دولة الكويت عن ضبط خلية للتجسس لصالح إيران وتم محاكمة أعضاء هذه الخلية بعد أن ثبت تورطهم في التخابر لصالح إيران واعترفوا أنهم يعملون لحساب الحرس الثوري الإيراني. موقف طهران من قضية احتلالها للجزر الإماراتية الثلاث طنب الكبرى، طنب الصغرى، وأبو موسى قديم وواضح يعتمد على رفض إيران لجميع المبادرات الإماراتية والخليجية التي تعتمد نهج الحوار والحل السلمي لقضية احتلال الجزر الثلاث، بل تقابل طهران كل مبادرة جديدة بموقف أكثر تعنتاً وتصريحات أكثر استفزازاً، ولعلنا نستشهد بما جاء على لسان الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية رامين مهما نبرست العام الماضي رداً على تصريحات الشيخ عبدالله بن زايد وزير خارجية دولة الإمارات العربية المتحدة عندما شبه احتلال جزر بلاده احتلال إسرائيل الأراضي العربية المحتلة، وكذلك رد المسئول الإيراني نفسه على تصريحات أمين عام مجلس التعاون الخليجي السابق عبدالرحمن العطية رداً على تصريحات الأخير عقب انتهاء أعمال القمة الخليجية التشاورية الثانية عشرة التي عقدت العام الماضي الذي دعا من خلالها قادة إيران إلى الدخول في مفاوضات مباشرة مع الحكومة الإماراتية أو قبول مبدأ التحكيم الدولي حول الجزر الإماراتيةالمحتلة. حيث زعم المتحدث باسم الخارجية الإيرانية أن هذه التصريحات (غير متزنة وغير ناضجة، وهذه التصريحات سيكون لها تبعات، وإذا تكررت وتعدت حدودها فعليهم أن يتوقعوا رداً حازماً من قبلنا) ، وغير ذلك من التصريحات ومنها دعوة دولة الإمارات إلى ما أسمته طهران "الكف عن سياسة عدو الضبع خلف الأسد " وغيرها ،، وجاءت هذه التصريحات في خضم إجراء طهران مناورات ضخمة جداً في الخليج (مناورة النبي الأعظم 5) التي جرت من 22 إلى 25 أبريل من العام الماضي ، ثم مناورة (الولاية 89) التي بدأت يوم 5 مايو 2010م، واستمرت عشرة أيام ، وكأنها تستعرض قوة السلاح مع قوة التصريحات الملتهبة أي أنه تهديد بالقوة. .. وإذ نذكر بهذه المواقف الإيرانية لا نريد سكب المزيد من الزيت على النار، أو إلهاب المشاعر المتأججة التي تشعلها طهران وما تفعله من ممارسات وصلت في أدناها إلى فصل مضيف طائرة يذكر " الخليج العربي " وفي أكثرها إلى التآمر على أنظمة حاكمة، بل نريد تذكيرها بأن الجوار قائم بحكم التاريخ والجغرافيا والعقيدة الواحدة والإيمان بالمصير المشترك للمنطقة ، لذلك يجب أن تنتهج طهران سياسة تحقيق العيش المشترك الذي يضمن العيش للجميع في سلام بعيداً عن الهيمنة التي لا يقبلها أي طرف "الخليج أو الإيراني "، وعلى الطرفين البحث في تحقيق التعاون والتكامل وتحقيق المنافع المتبادلة ونشر المحبة والتآخي بين الشعوب بدلاً من بذر بذور الكراهية والتوجس. على كل من دول الخليج وإيران أن يلتقيا تحت مظلة منظمة المؤتمر الإسلامي و فوق الجغرافيا المشتركة، لتفعيل مبدأ حُسن الجوار والتآخي الإسلامي والبقاء الأبدي للجانبين على ضفتي الخليج ، وتحقيقاً لهدف سام وهو أبعاد شبح التوتر والصراع عن هذه المنطقة الحساسة من العالم، بدلاً من اتهام الدول الأجنبية بمحاولات التدخل في المنطقة أو فرض نفوذها الذي يتحقق في حال وجود خلافات بين دول الجوار الجغرافي ومحاولات الهيمنة انطلاقاً من مزاعم بوجود طرف أقوى يريد أن يكون هو صاحب الكلمة العليا ما يجعل التدخل الأجنبي مشروعاً لتأمين المصالح الدولية. على إيران أن تضع في استراتيجيتها أن دول الخليج ستظل عربية ، ولم ولن تتخلى أي دولة عن جزء من سيادتها، وأن تقتنع بأن التعايش بين أتباع المذاهب الإسلامية قديم قدم ظهور هذه المذاهب ذاتها ولا يمكن إقصاء أتباع أي مذهب أو دين سماوي ، وأن سياسة تصدير الثورات إلى الخارج مرفوض باعتبار أن لكل دولة ظروفها وخصوصيتها السياسية ، تركيبتها الاجتماعية والقبلية والثقافية والحضارية ولا يصلح النموذج المسبق الصنع لجميع الدول.. إذا تضمنت استراتيجية إيران هذه الثوابت سيحل التعاون والإخاء والمودة في منطقة الخليج وسوف تمضي المنطقة قدماً على طريق التقدم والازدهار ولن تحتاج إلى تسليح تقليدي أو نووي أو إلى تواجد أجنبي. رئيس مركز الخليج للأبحاث*