مع ان باب الترشح لخوض الانتخابات النيابية المقررة (ورقياً) في 16 تشرين الثاني (نوفمبر) على مرحلة واحدة في كل لبنان على أن تسبقها جولتان الأولى للبنانيين المقيمين في الكويت في 7 تشرين الثاني والثانية للمقيمين في سيدني وملبورن في استراليا في 9 منه أُقفل منتصف ليل أمس، فإن اندفاع المرشحين للترشح لم يسجل رقماً عالياً ويبقى أقل بكثير من عدد المرشحين الذين تقدموا من وزارة الداخلية للترشح للانتخابات التي لم تجر في موعدها بعدما تقرر التمديد للبرلمان الحالي. وتعزو مصادر سياسية تراجع الحماسة للترشح الى ان غالبية اللبنانيين تتصرف كأن التمديد الثاني للبرلمان حاصل، في ضوء المواقف المتكررة لوزير الداخلية نهاد المشنوق من أن الظروف الأمنية لا تسمح بإنجاز الاستحقاق الانتخابي نظراً الى انهماك الجيش وقوى الأمن في ملاحقة المجموعات الإرهابية المسلحة بعد الهجوم على الجيش في بلدة عرسال البقاعية لأن الضرورة تتطلب أولاً تضييق الخناق على هذه المجموعات لمنعها من السيطرة على مناطق لبنانية معينة لإعلان إمارتها. وتؤكد المصادر ان استبعاد المشنوق إجراء انتخابات يعود الى تعذر تأمين أكثر من 25 ألف عنصر من الجيش وقوى الأمن لتوفير المناخ الأمني والسياسي لإتمامها بصورة طبيعية. وتدعو هذه المصادر الى التصرف بواقعية مطلوبة أولاً من القوى السياسية لعلها تقدّر الظروف الأمنية الطارئة التي تبرر للتأجيل بعيداً عن المزايدات الشعبوية، خصوصاً ان المزاج اللبناني لا يحبذ إتمامها لئلا يصار الى افراغ المناطق اللبنانية من القوى الأمنية. ناهيك بأن العامل الأمني لن يكون السبب الوحيد لتأجيل الانتخابات، وإنما هناك عوامل أخرى لا يجوز التقليل من أهميتها تتعلق بعدم تأمين التأييد الشعبي لإتمامها في موعدها في حال لم يتمكن البرلمان الحالي من انتخاب رئيس جمهورية جديد قبل الانتخابات النيابية. وتؤكد المصادر أن تعذر انتخاب الرئيس سيفتح الباب أمام الطعن بشرعية الانتخابات النيابية التي يمكن ان تؤدي الى مزيد من التأزم السياسي في البلد نظراً الى صعوبة انتخاب الرئيس بعد الانتخابات النيابية طالما ان مواقف الكتل النيابية لا تزال على حالها ولن تفسح في المجال أمام التوافق على رئيس تسوية. وتضيف ان الظروف ليست ناضجة حتى الساعة لانتخاب رئيس ولن تنضج خلال الأسابيع الفاصلة عن موعد الانتخابات النيابية، وبقاء الوضع على حاله سيدفع لمزيد من تعطيل المؤسسات الدستورية لأن الحكومة ستعتبر مستقيلة فور اعادة تشكيل البرلمان ولا يمكن تأليف حكومة جديدة في غياب رئيس الجمهورية، اضافة الى ان نتائج الانتخابات النيابية - وإن كانت لن تجرى - لن تبدل في ميزان القوى في البرلمان لأنها لن تمكن هذا الفريق أو ذاك من اكتساح الآخر للإمساك بزمام المبادرة في عملية انتخاب الرئيس الجديد. وترى المصادر ان البطريرك الماروني بشارة الراعي ليس على استعداد لتوفير الغطاء السياسي لإجراء الانتخابات النيابية قبل الرئاسية في ضوء تأكيده عدم شرعيتها في ظل استمرار الفراغ في الرئاسة الأولى. لذلك، فإن انجرار الأطراف الى المزايدات الشعبوية في دفاعها عن إجراء الانتخابات النيابية أشبه بتقاذفها لكرة النار لأنها تدرك جيداً أنها تطالب بالمستحيل، لكن كل فريق ينتظر من الآخر أن يبادر الى طلب التمديد للبرلمان. وتكشف المصادر أيضاً أن التقدم بطلبات ترشح للانتخابات لا يعني ان النصاب السياسي لإتمامها في موعدها تأمن لأن الساعات المقبلة ستحمل موقفاً مميزاً لكتلة «المستقبل» النيابية مع انها تقدمت أمس بطلبات الترشح، سيفاجئ الجميع وسيشكل لهم صدمة ستضطر الكثير من الكتل الى مراجعة موقفها من خوض الانتخابات. وعلمت «الحياة» أن كتلة «المستقبل» في اجتماعها في الساعات المقبلة برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة ستحدد موقفها من الانتخابات النيابية وفيه ان ترشحها لخوضها لا يعني انها اتخذت قرارها النهائي في هذا الشأن بمقدار ما انها ترهنه بضرورة انتخاب الرئيس قبل اتمام النيابية وإلا ستضطر للعزوف عن خوضها. وأكدت مصادر نيابية أن عزوف «المستقبل» عن خوض الانتخابات النيابية سيشكل إحراجاً للخصوم قبل الأصدقاء مع ان بعض المرشحين المستقلين المنتمين الى قوى 14 آذار سيضطرون الى الانسحاب من المعركة الانتخابية تأييداً لموقف «المستقبل»، وبالتالي لا بد من مراقبة المواقف التي ستتخذها الكتل النيابية لتفادي الاحراج اضافة الى رد فعل البطريرك الراعي. ولفتت الى ان زعيم تيار «المستقبل» الرئيس سعد الحريري تردد في الترشح للانتخابات وأن آخرين رأوا في موقفه المتردد أنه لا يرغب في ان يكون طرفاً في «المزايدات الشعبوية»، لكنه عدل وترشح بعد مشاورات داخل «المستقبل» اجمعت على الانسحاب من المعركة ما لم يتأمن انتخاب الرئيس. واعتبرت ان «المستقبل» بقراره المنتظر قرر ان يشهر سلاح الموقف في وجه الجميع ولم يكن أمامه سوى قلب الطاولة بعدما قوبلت مبادرة 14 آذار التي اعلنها السنيورة ببرودة من الآخرين وفيها دعوة صريحة الى التفاهم على رئيس توافقي. وعليه، فإن الموقف المرتقب ل «المستقبل» يمكن ان يعيد تحريك الاتصالات لأن من غير الجائز اصرار البعض على اجراء الانتخابات النيابية من دون التفاتة الى الأخطار الأمنية التي تهدد البلد من جانب المجموعات الإرهابية من «جبهة النصرة» و«داعش» وآخرين. وكشفت مصادر نيابية ان مشاورات مفتوحة ستجرى قريباً بين رئيس المجلس النيابي نبيه بري وعدد من أعضاء مكتب المجلس لتحضير الأجواء أمام معاودة البرلمان عقد جلسات تشريعية، خصوصاً ان «السنيورة» أكد ل «الحياة» أن «المستقبل» على موقفه بعقدها للضرورات وأولها اقرار سلسلة الرتب والرواتب للعاملين في القطاع العام والتصديق على موازنة العام 2015 والإجازة للحكومة اصدار سندات خزينة. وتوقفت أمام لقاء الأمس بين بري والنائب الكتائبي سامي الجميل، الذي اتسم بمرونة غير متوقعة وأن «الكتائب» قد يعيد النظر في موقفه فيؤيد عقد الجلسات التشريعية للضرورات، وهذا يدفع لاجماع «14 آذار» على عقدها، لا سيما ان حزب «القوات اللبنانية» لم يعترض على التشريع لضمان استمرار عمل المؤسسات وتأمين حاجات المواطنين. ورأت ان معظم الكتل، باتت على قناعة تامة بأن لا بد من التمديد للبرلمان لكن يبقى التوافق على مدته الزمنية باعتبار ان لا عوائق فنية أو ادارية لاتمام الانتخابات انما هناك أسباب أمنية وسياسية لا تشجع على انجازها، وإلا لماذا اضطرت غالبية الكتل المؤيدة للانتخابات الى تعديل موقفها لجهة انها مع حصولها اذا سمحت الظروف الأمنية بذلك. وأكدت ان تمسك البعض بإجراء الانتخابات ليس سوى محاولة «لتهبيط الحيطان» للهروب الى الأمام من الاستحقاق الرئاسي الذي أعاده لقاء الأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصرالله ورئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون الى المربع الأول، مع ان المعلومات المتوافرة عنه حملت موقفاً جديداً للحزب بأنه يقف الى جانب حليفه طالما هو يصر على خوض الانتخابات الرئاسية وغاب عنه أي كلام عن ترشيح الحزب له. اضافة الى انه تجاهل دعوة «14 آذار» الى التفاهم على رئيس توافقي.