في بحر من الندم يعيشون، بين أمواج الأحزان وقضبان الحديد، يقضون أوقاتهم هنا في سجن «الحاير». هو ندم يعيش في دواخلهم، بل ندمان؛ أولهما ندم على ما ارتكبوا من جرائر، وآخر على عمر ضاع في السجن بعيداً عن الأحبة والأعزاء. في وجوهم تراه صارخاً، جميع من قابلتهم «الحياة» في إصلاحية الحاير كانوا يسارعون بالتعبير عن ندمهم وحزنهم، بعد أن دفعتهم أفعالهم إلى ما وراء القضبان. أحد السجناء (تحتفظ «الحياة» باسمه) باح بندمه على فعلته التي فرقته عن أسرته وحكمت عليه بالسجن 10 أعوام. السجين البالغ من العمر 35 عاماً يروي قصته التي أدخلته «الحائره»: «اشتد النقاش بيني وموظف في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فسكبت البنزين على وجهه، وكانت نسبة الحروق 10 في المئة... لكنني نادم أشد الندم على فعلتي وبعدي عن أطفالي وأهلي». ويضيف: «ضاع عمري بين الندم الذي لا يفيد شيئاً، وبين جدران السجن التي تحبس أنفاسي، فلو علمت أن ما فعلته يوصلني إلى هذا الأمر لما ارتكبته». وبحسرة ضياع 26 عاماً من حياته، يتحدث السجين والمحكوم عليه بالسجن 26 عاماً لقضية مخدرات (تحتفظ «الحياة» باسمه)، يقول: «لا يفيد الندم فالفأس وقع في الرأس، غرتني الدنيا بمظاهرها، وأردت أن أتمرد على نفسي، وأكون من أصحاب الأموال والثراء الفاحش سريعاً، تعرفت على شياطين الإنس التي تقبض على ضعفاء النفوس مثلي وتغويهم لمصالحهم». ويضيف: «الآن لا يفيد الندم، ضاعت وتلوثت سمعتي وسمعة أهلي وأنا السبب، بعد هذا العمر لا أدري هل سيكتب لي أن أرى أهلي من جديد، أم أن نهايتي ستكون هنا خلف القضبان»، متسائلاً بحرقة: «لا أعلم بعد أن أصبحت سجيناً إن كانت أمي راضية عني أم لا». ويتابع: «رفاق السوء خدعوني بكلامهم الذي يقطر ذهباً، جعلوني أصدق أنهم أصدقائي وابتعدت عن الكل بسببهم، وكنت أرى فيهم الأصدقاء الأوفياء الذين تبقى صداقتهم دائماً، بعد سجني لم يزرني أحد، كانوا حجر عثرة في مستقبلي وابتعدوا كأنهم لا يعرفونني، وقع علي الجرم وحدي، وبسببهم أصبحت خلف القضبان وهم في الخارج يمرحون». «نادم» كررها ثلاث مرات السجين المحكوم عليه ست سنوات بتهمة قضية أخلاقية (تحتفظ «الحياة» باسمه)، يقول: «فقدت وظيفتي بعد أن تعبت للحصول عليها، وكنت أعمل في إحدى الجهات الحكومية، ولكن وقوعي بطريق الخطأ كلفني ست سنوات من حياتي خلف القضبان».