بدل أن يكون إحياء الذكرى الأولى للشهيد عماد عفت الذي قُتل برصاصة في الصدر من على مسافة نصف متر قبل عام بالتمام والكمال، إحياء طبيعياً يقتصر على لقاء أهله ومحبيه وتلاوة لآيات الذكر الحكيم، وربما سكب الدموع على شيخ مصري ثوري قتل بنيران الغدر في أحداث مجلس الوزراء، تحولت الذكرى إلى لم شمل المصريين الثوريين منهم و»الكنبويين»، المسلمين منهم والمسيحيين، في فعاليات واقعية وأخرى افتراضية وثالثة تذكارية. كثيرون تذكروا أمس الشيخ عماد عفت ممن لم يعرفوه أو ممن لم يلتفتوا كثيراً إلى استشهاده العام الماضي، ربما لانغماسهم في كنباتهم أمام شاشات تلفزيونية تأرجحت بين الحق والباطل، أو لاعتبارهم استشهاده مماثلاً لاستشهاد الكثيرين من شباب الثورة، وأقرانهم ممن لحقوا بهم في أثناء الفترة الانتقالية الانتقامية اللاحقة. رجل ستيني جلس يحتسي قهوته الصباحية مع زملاء له جميعهم يحمل ألقاباً رفيعة مذيلة بصفة «سابق» أو «متقاعد» طالع جريدة نوهت في بابها «حدث في مثل هذا اليوم» إلى استشهاد أمين دار الإفتاء المصرية، فتركها فجأة وفتح باب النقاش اليومي بقوله: «ها هو المسلم الحق! مات وترك لنا الباطل». وتطور النقاش بين سائل عمن يكون الشيخ الشهيد، إلى مترحم على الإسلام في زمن الضلال المتلحف بعباءة الدين، إلى مقارن بين ما كان يفعله الشيخ الشهيد وقت ضربه بالرصاص آملاً ببناء مصر جديدة، وما يفعله «شيوخ» التحريض آملين بإسقاط ما تبقى من قانون في مصر الجديدة. لم تكن هذه الجلسة الوحيدة من نوعها أو الفريدة في موضوعها يوم أمس، فقد بزغ اسم الشيخ الشهيد الذي لم يكتف، رغم علمه الوفير وعمله الجليل بالترفع عن التكفير والارتقاء على الترويع، بل كان «نفراً» ثورياً له من المحبين على أرض ميدان التحرير آلاف مؤلفة تعكس مصر الأصلية والأصيلة: مسلمين، مسيحيين، سيدات، شباباً، رجالاً، أطفالاً، حتى الباعة الجوالين سمة الميدان الثوري عرفوه وأحبوه، والأهم من ذلك أجلّوه واعتبروه رمزاً ثورياً وقامة دينية تنويرية حقيقية. وانتشرت عبارته الشهيرة عن الجنة أمس: «أشم رائحة الجنة في التحرير»انتشار النار في هشيم «تويتر» و «فايسبوك» وهي الجنة التي وقفت على طرف نقيض من جنة «نعم» للاستقرار و»علشان العجلة تدور» التي يروج لها تيار الإسلام السياسي هذه الأيام في مناسبة جهود عاتية لتمرير مشروع دستور «الإخوان». وتفجرت المقارنات بفطرية شديدة وعفوية بالغة. متصلة ببرنامج تلفزيوني اتصلت للتعليق على هجوم من قبل ملتحين على مقري «التيار الشعبي» وحزب «الوفد» ليل أول من أمس، فقالت بحزن بالغ: «هؤلاء يقدمون أنفسهم باعتبارهم مسلمين، والشيخ عماد عفت هو الآخر مسلم. شتان الفرق. إنه الفرق بين القشرة الذهب ومعدن الذهب. الله يرحمه ويرحمنا». ولأن رحمة الله واسعة، تزامنت الذكرى الأولى لاستشهاد الشيخ الذي تحول إلى أيقونة لأحداث الفترة الانتقالية الانتقامية ورمز لما ينبغي أن يكون عليه المسلم وليس الإسلامي، والمشهد البائس الذي يعيشه المصريون حالياً والمتمثل في الخط الفاصل الذي تجتهد تيارات بزغ نجمها السياسي في حفره وتعميقه بين أنصارهم وبقية المصريين. شريط ذكريات الأمس توالى على رؤوس كثيرين، فبين ثورية الشيخ الشهيد الذي شم رائحة الجنة في الميدان ووقف مع الهاتفين في أحداث مجلس الوزراء: «يسقط يسقط حكم العسكر» في وقت تفرغ «الإخوان» والأحزاب والتيارات السلفية لحصد مقاعد البرلمان وتحفظوا على الهتاف والتوجه الذي يعكسه، والرصاصة التي اخترقت صدره ومشاركة الآلاف من مسلمين ومسيحيين في رحاب الجامع الأزهر في جنازته المهيبة، ومنها إلى ما آلت إليه الأمور اليوم. فاليوم باتت رائحة الجنة تفوح من أنحاء عدة، فهناك من يروج لفوحانها من محاصرة الإعلاميين ممن ينتهجون نهجاً لا يعجب الحكام، ومنهم من يؤكد أنها تفوح من الهجوم على معتصمي قصر الاتحادية الرئاسي المعارضين لسياسات الرئيس محمد مرسي، ومنهم من يشير إلى أنها تفوح من استهداف مقار الأحزاب غير الدينية والتيارات غير الإسلامية والصحف غير «الإخوانية». إلا أن المحتفلين بذكرى الشيخ عماد عفت أمس تمسكوا بالرائحة القادمة من ميدان التحرير، إن لم يكن ذلك القابع في وسط القاهرة، فربما الميدان الحالم ب «عيش وحرية وعدالة اجتماعية» وليس «عيش حرية دولة إسلامية» والمردد لهتاف «ثوار أحرار هنكمل المشوار» وليس «شهداء أبرار هنكمل المشوار». وإلى أن يأتي موعد إكمال المشوار، هناك من توجه في مشوار أمس إلى دار العماد في المقطم حيث إحياء الذكرى، وهناك من رأى في تزامن الأحداث والذكرى مدعاة للحزن على ما آل إليه حال الإسلام وغرد: «الشيخ عفت كان لازم يموت. مكانه أكيد ليس في هذا النوع من الإسلام»، لكن يظل هناك من احتفظ بقدرته على رؤية شعاع ما في نهاية النفق المظلم فرأى أنه «مر عام على غياب القصاص للشيخ عماد ورفاقه، لكنه آت لا محالة». يشار إلى أن يوم أمس تزامن كذلك واستشهاد 24 متظاهراً آخرين بين أشهرهم طالب الطب وطبيب مستشفى التحرير الميداني علاء عبدالهادي الذي قتل برصاصة في الرأس في الأحداث نفسها. وبعد وفاته بعشرة أيام، أعلنت نتيجة مادة «الصدر» التي امتحن فيها قبل استشهاده بتقدير «امتياز».