تنسحب الدراما التلفزيونية السورية إلى مواقع لم تكن تفكر بالعودة إليها، لولا الظروف الأمنية المعقدة التي تحيط بها اليوم بعد أن أطلقها مخرجوها في الهواء الطلق على مدى العقدين الماضيين تقريباً، وبخاصة أنها ظلت حبيسة الاستوديوات المغلقة فترة طويلة. صحيح أن بعض هذه الدراما وجد ضالته اليوم في أمكنة أخرى تغيرت بنسبة كبيرة، والحارات لم تعد دمشقية إلا من خلال الوجوه التي ستتردد عليها بعد أن هجرها البعض، وإن طاب لها المقام في أبو ظبي أو دبي. لن تتعثر هذه الدراما. التلفزيون نفسه من خلال هويته يمكنه أن يتواءم مع ظروف استثنائية من هذا النوع. لايمكن تجاهل ذلك. سوف تدور الكاميرا في أمكنة لم يكن ممكناً تخيّلها. لن تتوقف عجلة الإنتاج فيها، وهذا أمر أصبح مفروغاً منه. عدد الساعات التلفزيونية لا يرحم، وليس ممكناً ملؤها بالبرامج وحدها. ليس بالبرامج وحدها يحيا التلفزيون. الآن تنتج الدراما السورية المفارقة نفسها التي نأت عنها طوال تلك الفترة. ليست البنية التقنية مجهزة بالكامل. لاتزال هذه الدراما، الفورة، تفتقد إلى مكونات الصنعة كاملة. لا يمكن مقارنة الاستوديوات هنا بنظيرتها المصرية. خروج الدراميين السوريين بالكاميرا الواحدة إلى الشارع دفعها لتتجنب الركون إلى التأسيس السليم لهذه البنية. صحيح أن الاندفاعة جاءت بتأثير تنظيرات مخرجين سينمائيين وجدوا من خلال العطالة الإجبارية التي كانوا يتفيأون بها المدخل إلى «سينما في التلفزيون»، ولكن ذلك حال دون الالتفات إلى القاعدة المادية والتقنية المطلوبة للمضي بهذه الصناعة نحو بر الأمان. صحيح أنه أمر ساهم بهذه الفورة التي تعيش هذه الأيام على وقع الأحداث العاصفة التي تمر فيها البلاد، وهي تفتقد إلى أهم صنّاعها، بعد أن تفرقت بهم الدروب، ولكن ذلك حمل في طياته أبعاداً سلبية، لا يمكن تجاهلها، بالرغم من اجتهادات كل الصنّاع والرواد. يقوم البعض في الآونة الأخيرة باللجوء، داخلياً، إلى الأماكن المغلقة والوحيدة، لصناعة مسلسل من ثلاثين حلقة في حرم جامعة مثلاً، بغية التخلص من الأوضاع الاستثنائية التي تمر فيها هذه الدراما اليوم. هذا أمر مشروع تماماً من باب ضمان استمرارية عمل هؤلاء الذين ارتهنت حياتهم بهذه العجلة الإنتاجية. ربما لن يكونوا مطالبين بما هو فوق طاقاتهم. وربما العكس، فالأوضاع السياسية في البلاد تتطور دراماتيكياً، وصفحات التواصل الاجتماعي لا توفر أحداً في طريقها. ولكن من المؤكد أن من بقي من جمهور هذه الدراما، قد يشعر بالفروق بين ما قدم له في الهواء الطلق يوماً، وبين ما سيقدم الآن. قد لا يتعدى الأمر وجبة دسمة، أو وجبة سريعة في كلتا الحالتين. هذا صحيح وأكيد. ولكن ثمة أمراً بالغ الأهمية هنا يتجلى في عودة التلفزيون إلى سره الأصلي الذي غادره يوماً مرغماً بحسب تنظيرات ربما لا تفيده اليوم كثيراً.