تقول الحكاية التاريخية ان الحجاج بن يوسف جمع ثلاثة من علماء الدين وطرح عليهم السؤال الآتي: هل أنا مخطئ أم مصيب في أهل العراق؟ فأجاب الأول أنت مخطئ، والثاني قال أنت مصيب، أما الثالث، فقال أنت لا مخطئ ولا مصيب، انك ذنوب أهل العراق، فإذا صلح أهل العراق فسوف تذهب. هذه الإجابة تنطبق على حال برنامج «أحمر بالخط العريض» مع الصحافة السعودية. نشأت الصحافة السعودية على قاعدة تقول «يجب ان نذكر ما اعتدنا ان نذكر، ونسكت عما اعتدنا السكوت عنه»، لكن هذه القاعدة لا تلبي ضرورات المنافسة، واستخدام الإثارة الصحافية، ومع الوقت اصبح هذا العرف حاجزاً يمنع نشر القضايا الاجتماعية الشاذة والغريبة، وظلت الصحف تخلو من الإثارة لسنوات، كأنها تصدر في مجتمع لا يسير أفراده في الطرقات. وللخروج من هذا المأزق المهني، عمدت الى نشر الأخبار الغريبة والشاذة التي تحدث في بعض المجتمعات العربية، وبخاصة المجتمع المصري، ومارست الصحف السعودية، في بعض الأحيان، الأسلوب ذاته الذي وقع فيه برنامج «احمر بالخط العريض» (يقدمه مالك مكتبي) ورفعت النزوات الى مستوى الظواهر الاجتماعية، فتجمعت ذنوبها في محطة «ال. بي. سي»! لاحقاً تحول هذا المرض المهني الى وباء عربي عام، فالوسيلة الإعلامية التي لا تستطيع ان تحك ظهر مجتمعها وتناقش قضاياه بصراحة ووضوح، تبحث عن بديل في مجتمع عربي آخر، ف «تهرش» جسده بكل ما أوتيت من جرأة وتجاوز. ولم يقف «حك» ظهور الآخرين عند المشاكل الاجتماعية، بل تعداها الى السياسة، فكرس الإعلام العربي حالاً من الاستشراق المتبادل بين الشعوب العربية. فاللبناني يتحدث عن السعوديين من موقف متخيل، وكأنهم يعيشون في جزيرة نائية، والسعودي يكتب عن المصريين باعتبارهم شخصيات في فيلم «بمبه كشر»، وهكذا بين البقية. على أي حال، ربّ ضارة نافعة، ولعل برنامج «احمر بالخط العريض» نجح في تفجير أزمة تقيحت، وحان وقت علاجها، وإفهام الإعلاميين العرب حقيقة المثل الشعبي المصري «لا تعايرني، ولا أعايرك، الهم طايلني وطايلك»، والكف عن ممارسة هذا الاستشراق المتبادل والمفتعل. والأهم هو معاودة النظر في أسلوب تقديم برامج الحوار والتوقف عن ممارسة «نسخ» الأفكار والقضايا، وتضخيم النزوات، وملاحقة الإعلانات في الجحور المظلمة، والشقق المفروشة بالأحمر.