سعت موسكو إلى تخفيف وقع تصريحات نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، والتي قال فيها إن المعارضة السورية تقترب من تحقيق انتصار على النظام في المواجهة الدائرة. وقال الناطق باسم الخارجية الروسية الكسندر لوكاشيفيتش أمس إن نائب الوزير «لم يدل بتصريحات صحافية» عن الموضوع، وإن كلامه جاء في سياق مناقشة «مزاعم ممثلي المعارضة السورية حول الوضع الميداني». اللافت في حديث الناطق الروسي أنه تجنب نفي مضمون تصريحات بوغدانوف التي حملت أكثر من معنى، لكنها أشارت بوضوح إلى تبدل في الموقف الروسي من الوضع السوري. وعلمت «الحياة» أن بوغدانوف لم يطلق بالفعل تصريحات صحافية في هذا الشأن، وأن حديثه كان خلال جلسة مغلقة حضرها ديبلوماسيون ومستشرقون وممثلون عن منظمات أهلية في روسيا. ولم تتضح هوية الطرف الذي تعمد تسريب الحديث إلى وسائل الإعلام. وهذه ليست المرة الأولى التي يتم تسريب مقتطفات من حديث لمسؤول روسي يدل إلى وقوع تبدل في اللهجة الروسية حيال الملف السوري. وكانت وسائل إعلام نسبت لبوغدانوف في وقت سابق حديثا عن «حال صحية حرجة لماهر الأسد واستعدادات روسية لاجلاء الرعايا الروس من سورية»، بعد تفجير مبنى رئاسة الأركان في دمشق. كما نقلت عن سفير روسي حديثا عن «ادراك موسكو أن موازين القوى الميدانية تتغير بسرعة». لكن اللافت أن التصريحات الأخيرة كان لها أهمية خاصة لأنها تزامنت مع محادثات كثيفة يجريها محاورون روس مع الطرف الأميركي. ويقول مصدر ديبلوماسي إن الإيرانيين يشاركون أيضا فيها. وبحسب هذا المصدر الذي فضل عدم ذكر إسمه، يرتبط غضب موسكو من تسريب كلام بوغدانوف بعدم رغبة موسكو في اظهار تبدل علني لموقفها، فرضه الوضع الميداني. وهذا يفسر الرد القاسي للناطق باسم الخارجية الذي انتقد أمس بحدة تصريحات أميركية أشارت إلى موسكو «استيقظت أخيرا من ثباتها وبدأت بتبديل موقفها»، اذ اكد ان روسيا «لم تتغافل أبدا عن تطورات الموقف ولم تكن نائمة، وأن موقفها لم ولن يتبدل». وفي تفاصيل الحوارات السرية الدائرة بين روسيا والغرب، أشار المصدر ل»الحياة» الى أن واحدة من النقاط الأساسية العالقة تدور حول الدور الذي يمكن أن يلعبه الرئيس بشار الأسد في المرحلة المقبلة، و»هنا أيضا يوجد تبدل ملموس في الطرح الروسي»، أشار إليه أكثر من مسؤول في جلسات مغلقة. ومن ذلك طبيعة الفهم «الجديد» لروسيا لآليات تطبيق اعلان جنيف. ومعلوم أن موسكو كانت تصر على أن هذا الاعلان لم يتحدث عن مصير الأسد، وأن الأخير يجب أن يلعب دورا أساسيا في حوار تحضره كل الأطراف للبحث في ترتيبات المرحلة الانتقالية. لكن المصدر أشار إلى موسكو تراجعت عن هذه اللهجة، وبدأت تطرح مفهوما جديدا يقوم على ضرورة منح حكومة انتقالية صلاحيات كاملة لترتيب الوضع الداخلي والتحضير للانتخابات، على أن يحافظ الأسد على منصبه من دون صلاحيات حتى اجراء الانتخابات. ووصل نائب رئيس الوزراء السوري قدري جميل في زيارة مفاجئة إلى موسكو حيث أجرى أمس محادثات في وزارة الخارجية، قال بعدها إن موقف موسكو لم يشهد تبدلا. وبحسب مصدر مطلع، اراد جميل استجلاء الموقف الروسي بعد التطورات الأخيرة، وأعاد طرح مطلب تقديم مساعدات اقتصادية عاجلة. لكن موسكو أبدت تحفظات، ما دفع إلى اعلان احتمال ارسال «مساعدات انسانية» على ألا «تفرق بين معارضين وموالين للنظام»، كما قال جميل في مؤتمر صحافي. يذكر أن هذه الصيغة تطرح للمرة الأولى إذ لم تكن موسكو تعترف أصلا بوجود معارضين وكانت تعتبرهم «جماعات مسلحة مدعومة من الخارج».