أثار اعتراف موسكو بالمجلس الوطني الانتقالي الليبي قبل ساعات من افتتاح أعمال مؤتمر «أصدقاء ليبيا» في باريس، ردود فعل خبراء ومحللين روس انتقدوا خلال الفترة الماضية تردد روسيا في إعلان مواقف واضحة حيال التطورات الجارية في المنطقة العربية. وتزامن هذا التطور مع بروز تغيّر في اللهجة الروسية حيال الملف السوري وصفه البعض بأنه «ما زال محدوداً لكن له دلالة بالغة». وانتقد معلقون روس ما وُصف بأنه «تأخر روسيا خطوتين عن الحدث في كل مرة» كما كتب أحدهم، مشيراً إلى أن الاعتراف الروسي بالمجلس الانتقالي الليبي بعد طول تمنع يُعدّ مؤشراً إلى أن موسكو بدأت في إعادة حساباتها وترتيب أولوياتها في التعامل مع الأحداث الجارية في المنطقة. وكانت زيارة نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف إلى دمشق أخيراً أثارت جدلاً بعد تردد معطيات عن «رسالة حازمة» نقلها المسؤول الروسي إلى القيادة السورية، وهو أمر أكده مصدر مطلع تحدثت إليه «الحياة». وأضاف أن بوغدانوف «نصح» دمشق بضرورة وقف العنف ضد المحتجين في أسرع وقت، وتسريع عمليات الإصلاح، كما حضها على ترتيب أجواء مناسبة للشروع في حوار مع أطراف المعارضة السورية. لكن المهم في زيارة بوغدانوف كان التلويح بأن موسكو «لن تستطيع أن تلجم مجلس الأمن طويلاً» وأن «صبر المجتمع الدولي بدأ ينفد ولا بد من تحرك عاجل لتجاوز الوضع الراهن». وعلى رغم أن جهات تحدثت عن «مهلة روسية» أُعطيت لدمشق، قال مصدر «الحياة» إن موسكو «لا تتعامل بطريقة منح فترات» وإنها «قدّمت نصيحة واضحة بأن المطلوب القيام بخطوات عملية لوقف العنف في أسرع وقت». ولفت المصدر إلى أن قناعة بدأت تتبلور عند صنّاع القرار في الكرملين بأن مواقف روسيا في معارضة التدخل الخارجي والداعية إلى تسوية الأزمات عن طريق الحوار الداخلي «تم تفسيرها بشكل خاطئ باعتبارها تأييداً لسلوك هذا البلد أو ذاك»، خصوصاً أن حديث المسؤولين الروس في هذا الشأن «انطلق في الغالب من اعتبارات داخلية وإقليمية ودولية»، أي أن موسكو أقامت حساباتها على أساس معارضة تصرفات الغرب المتسرعة في بعض الحالات. وبالإضافة إلى ذلك، لفت المصدر إلى «تباين» برز في الفترة السابقة بين لهجة بيانات الكرملين من جهة والخارجية الروسية من جهة أخرى. ففي حين كانت الخارجية تركّز على فكرة التدخل الأجنبي وتتبنى وجهة النظر الرسمية السورية حول نشاط «عصابات مسلحة»، تعمّد الرئيس ديمتري مدفيديف قبل أسابيع توجيه تحذير من «مصير محزن» ينتظر الرئيس بشار الأسد إذا تجاهل الحاجة إلى تسريع الإصلاحات ووقف العنف فوراً. وبحسب المصدر فإن إرسال بوغدانوف برسالة «حازمة» والتصريحات التي أطلقها وزير الخارجية سيرغي لافروف أمس وفيها إشارة واضحة إلى رفض استخدام القوة ضد المحتجين جاءت بعد أن أدركت القيادة الروسية أن أداء الديبلوماسية الروسية حيال الملف الليبي وضع موسكو أمام موقف محرج وأنها «تسعى حالياً إلى الإفادة من دروس التعامل مع الملف الليبي». وكمثال قال المصدر إن موسكو أعلنت بلغة حازمة قبل شهور أنها «تعارض صدور أي قرار في مجلس الأمن يدين دمشق» قبل أن تتراجع بتوجيه من الكرملين وتطرح مشروع قرار مخففاً. وتشير معطيات إلى أن الروس يخوضون حالياً مناقشات مع الغرب حول هذا الموضوع. ويصب في الاتجاه ذاته أن موسكو تستعد - بحسب معطيات حصلت عليها «الحياة» - لاستقبال وفد للمعارضة السورية ينتظر أن يزور روسيا الأسبوع المقبل، ويضم بحسب المعطيات المتوافرة ثمانية أعضاء يمثّلون مختلف مكونات الشعب السورية العرقية والطائفية ويرأس الوفد المعارض عمار القربي.