اختفت علب السجائر من الأكشاك، وتحفّظ أصحاب السوبرماركت عن عرض السلع الغذائية المعتادة بكميات كبيرة. وشحّت زجاجات المياه المعدنية مجدداً، على رغم قرار الرئيس محمد مرسي فجر أول من أمس والقاضي بوقف - أو ربما إرجاء - قراره الصادر في وقت مبكر من اليوم ذاته والخاص بالضرائب. رد الفعل التجاري في الشارع متوقع، في ضوء قراءة تاريخية وثقافية، تؤكد أن التجار يسارعون إلى اتخاذ إجراءات احترازية من هذه العينة، ضماناً لأكبر هامش ربح ممكن. أما رد الفعل الشعبي فيمكن وصفه بأنه إرجاء لغضب مرتقب، إلى حين عودة الرئيس للقرار الأصلي بالزيادة عقب تأكده من نجاح موقعة «الدستور المسلوق». أما رد الفعل الحقوقي غير المنتمي إلى تيار الإسلام السياسي، فندد بالقرارات وإرجائها لأنها ببساطة تعتمد على معالجة أزمة المال في مصر، بتحميل كلفتها للقاعدة الأوسع من السكان، من خلال خفض الدعم المصحوب بغياب شبه كامل لشبكة ضمان اجتماعي. مدير قسم العدالة الاقتصادية والاجتماعية في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية مالك عدلي، اعتبر أن جوهر المشكلة لا يكمن فقط في افتقاد هذه السياسات العدالة، والتي كانت مكسباً ثورياً مركزياً، إنما تكمن أيضاً في اتخاذها في خضم أزمة سياسية عنيفة بسبب دستور تحاول به جماعة الإخوان المسلمين ورئيسها، إنهاء المرحلة الانتقالية وفق تصورات طرف واحد». وأشار إلى أن هدف صدور القرارات بتعديل قوانين الضرائب على الدخل والمبيعات والعقارات، هو تقديم شرائح جديدة لضريبة الدخل، كان أهمها الجمع بين المداخيل السنوية من 45 ألف جنيه إلى مليون جنيه في شريحة واحدة تخضع لسعر واحد. ويشير ذلك بوضوح إلى استمرار النهج القديم في فرض الضرائب منذ عهد وزير المال السابق الهارب في لندن يوسف بطرس غالي، والذي يقوم على خفض عدد الشرائح، وإخضاعها لأسعار متقاربة على نحو لا يعكس فكرة الضريبة التصاعدية، والتي ترفع بدورها الضريبة مع ازدياد الدخل السنوي. ونفى عادلي، أن تكون هذه القرارات المؤجلة بزيادة ضريبة المبيعات على السلع الترفيهية والمضرّة بالصحة، مثل السجائر والمشروبات الكحولية، إذ امتدت لتشمل سلعاً غذائية مثل الزيوت على أنواعها، والأسمدة والعلف والإسمنت المائي والمطهرات والمبيدات. ورأى عادلي، أن عامي الاضطراب السياسي العنيف اللذين تليا سقوط النظام السابق، أحالا الأزمات الهيكلية إلى أزمات ملحة وقصيرة المدى، على نحو يستدعي تدخلاً سريعاً للدولة لمعالجة الخلل المالي الشديد، سواء في عجز الموازنة (170 بليون جنيه وفق الحساب الختامي للسنة المالية 2011 - 2012)، أو للعجز في ميزان المدفوعات وتضاؤل الاحتياط الأجنبي، إلى درجة تنذر بعدم القدرة على توفير حاجات البلاد الأساسية من موارد الطاقة المستوردة. وبلغة الأرقام، فإن العجز في الموازنة في الربع الأول من العام الحالي سجل 50 بليون جنيه، وإذا عمم الرقم على الثلاثة أرباع المتبقية، يكون العجز المتوقع 200 بليون جنيه، أي نحو 13 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة تنذر بتعرض الدولة للإفلاس. وأعلن عادلي، أن «هذا العجز مع ارتفاع معدلات التضخم يصعّبان على الحكومة مهمة الوفاء بالتزاماتها أمام صندوق النقد الدولي، والتي وردت في برنامج الحكومة المقدم للصندوق بخفض العجز في الموازنة إلى 8.5 في المئة من الناتج المحلي نهاية السنة المالية المقبلة 2013 - 2014». إشادة يُذكر أن رئيس بعثة صندوق النقد أندرياس باور أشاد أثناء زيارته القاهرة الشهر الماضي بالحكومة المصرية والبرنامج الاقتصادي الذي وضعته، للتعامل مع التحديات الاقتصادية والاجتماعية الُملحة ومعالجة نقاط الضعف. ورحب الصندوق آنذاك ب «الإصلاحات المالية العامة وتخطيط السلطات المصرية لخفض الهدر في الإنفاق من خلال إصلاح دعم الطاقة، ليستهدف الفئات المستضعفة فقط. كما أشاد ببرنامج الإصلاح الاقتصادي لجهة إصلاح النظام الضريبي من طريق ضرائب تصاعدية على ضريبة الدخل، وتوسيع قاعدة الضرائب العامة على المبيعات»، وغيرها من القرارات المؤجلة حالياً. وأكد عادلي، أن المشهد الاقتصادي المتعثر هو ما دفع الحكومة إلى اتخاذ هذه القرارات التقشفية الصعبة، بهدف استرضاء صندوق النقد، خصوصاً أن حكومة هشام قنديل تسعى إلى صرف الدفعة الأولى من القرض في كانون الثاني (يناير) المقبل. مثل هذه السياسات التقشفية والقرارات الاقتصادية القاسية، يتخذ عادة في أوضاع تتمتع فيها الدول بتوافق سياسي، إضافة إلى تمتع الحاكم بدرجة كبيرة من الشرعية والشعبية، وهو ما لا يراه عادلي متوافراً في المشهد المصري الحالي. واعتبر أن «هذا الانقسام والصراع بين القوى السياسية المختلفة وارتفاع توقعات المصريين بحياة أفضل بعد سقوط نظام الرئيس السابق مبارك، سيجعل تطبيق السياسات التقشفية مكلفاً، وهو ثمن سيدفعه الرئيس وجماعته وحزبه عند الاستحقاق الديموقراطي الأول. تعديلات قوانين الضرائب وتأجيل تنفيذها تعني أن الأسوأ لم يأت بعد». يذكر أن مرسي أصدر القانون رقم 100 لعام 2012، ويقضي برفع سعر واردات المازوت لمحطات الكهرباء من ألف إلى 2300 جنيه مصري للطن، ما يتكامل والقرارات السابقة برفع أسعار الكهرباء، ضمن سياسة خفض دعم الطاقة. وقبلها أصدر قراراً جمهورياً نصّ على تحرير سعر وقود السيارات (95 أوكتان)، وآخر بتوزيع أسطوانات الغاز بدءاً من الشهر المقبل بثمانية جنيهات، مع رفع السعر خارج البطاقة إلى 30 جنيهاً.