الاستثناء الوحيد بُعيد تلك المرحلة مثله الدور الذي لعبته المرأة داخل الجيش الإسلامي للإنقاذ بالجزائر أثناء «العشرية الدموية» التي تلت إلغاء الانتخابات التشريعية، حين حققت الجبهة الإسلامية للإنقاذ عام 1991 فوزاً كاسحاً، وامتدت تلك المواجهات الدموية حتى المصالحة الوطنية عام 2002 وما تلاها، وهو استثناء استند إلى أمرين جوهريين، أولهما: التنوع داخل التنظيم المكون من خليط غير متجانس من الإخوان والتكفير والهجرة والعائدين من أفغانستان ومتعاطفون لا ينتمون إلى فكر محدد، وثانيهما: سجلها الحافل بالنضال الوطني ضد المستعمر الفرنسي، وطبيعة وضع المرأة الجزائرية المتنازع عليها بين تيارات متناحرة اجتماعية ودينية وفرانكفونية ثقافية، وهو ما رشحها لتكون أحد أبرز عناوين تلك المرحلة التي راح ضحيتها زهاء 100 ألف جزائري. ككل شيء في الجزائر آنذاك تجاذب المرأة طرفان، قدم الأول نفسه «حارساً» لعرضها وحجابها، وقدم الآخر نفسه «مخلصاً» وعراباً لحريتها ومحتكراً لصكوك الوطنية، وهو صراع بلغ ذروته بتحويل المرأة في كلا الجانبين إلى أداة انتقام وتصفية للحسابات، حين أصدرت الجماعة الجزائرية المسلحة فتواها الشهيرة بجواز استهداف نساء وأطفال الشرطة والجيش في 6 آذار (مارس) 1995، مبررة ذلك بردها على ممارسات شبيهة من الطرف الآخر، ولكن كانت النقطة الأهم فيه هو نجاح الجماعة في تجنيد مئات النساء اللواتي تعددت مهماتهن باختلاف أعمارهن وخبراتهن ووضعهن المالي والاجتماعي ومدى قرابتهن لقيادات التنظيم. فكانت أبرز تلك المهمات التقليدية هي الإمداد اللوجستي عبر جمع الأموال والغذاء والدواء ورعاية ومتابعة أُسر المقاتلين، أما المستحدثة منها فكانت الدور الاستخباري من رصد وجمع للمعلومات، وضمان لتدفقها عبر التجنيد الهرمي، انتهاء بمهمات قتالية حملت فيها السلاح وشاركت في القتال، إذ تراوح أعداد هذه النسوة بحسب إحصاءات أمنية بأكثر من 700 امرأة، تنوعت مصائرهن بين القتل في المواجهات أو الاعتقال أو الانتقال إلى مرحلة أخطر بانضمامهن إلى تنظيم «القاعدة» في بلاد المغرب العربي.