جدد بعض منظمات ومؤسسات المجتمع المدني في العراق تحفظه عن قانون تقدمت به الحكومة لتنظيم عمل مئات المنظمات غير الحكومية، كونه يفرض رقابة كبيرة على عملها ونشاطها وتنظيمها الداخلي. وأعلنت الحكومة مطلع هذا العام مشروع قانون لتنظيم عمل المنظمات غير الحكومية في البلاد، والتي يقارب عددها أكثر من 8500 منظمة، وواجه انتقادات واسعة. إلا أن تجاهل الحكومة هذه الانتقادات ثم رفعها المشروع الى البرلمان للمصادقة عليه، صعّد من هذه الاعتراضات. وعلمت «الحياة» أن مجموعة كبيرة من هذه المنظمات تستعد لحملة كبيرة لمناهضة القانون عند مناقشته في البرلمان. وقالت رئيسة لجنة مؤسسات المجتمع المدني في البرلمان النائب الاء الطالباني في تصريح الى «الحياة» إن «القانون الذي تقدمت به الحكومة ما زال يثير ردود أفعال مضادة من هذه المنظمات». وأضافت أن «عشرات الرسائل تتسلمها اللجنة في شكل شبه يومي تتضمن انتقادات وتحفظات عن مسودة القانون التي وصلت إلى البرلمان». وتابعت أن «عدداً من رؤساء المنظمات غير الحكومية يشدد على أن مسودة المشروع الحكومي تتضمن رقابة صارمة على هذه المنظمات وعملها في البلاد»، لافتة الى أن اللجنة البرلمانية الخاصة بمؤسسات المجتمع المدني ترى أيضاً في مسودة القانون إجحافاً كبيراً. وقدمنا ملاحظات كثيرة على القانون ستناقش مع بدء الفصل التشريعي الجديد للبرلمان». من جهته، قال عضو منظمة «سلام الرافدين» غير الحكومية فلاح الألوسي ل «الحياة» إن «مشروع القانون يتضمن محاولات لإخضاع منظمات المجتمع المدني وجمعيات حقوق الإنسان إلى رقابة مشددة من جانب أجهزة الدولة أو التدخل في شؤونها الداخلية بحجة تنظيم عملها وتقنينه، وهو ما يتعارض مع الالتزامات الدولية التي تعهدت الحكومات المتعاقبة الأخذ بها عندما انضمت إلى المعاهدات والاتفاقات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان». وأضاف الألوسي أن «معظم منظمات المجتمع المدني تبدي تحفظها عن فقرات القانون المتعلقة بأمرين، الأول قضية التمويل والثانية تتعلق بالتسجيل». وأوضح أن «على وزارة مؤسسات المجتمع المدني الحكومية أن توافق على مصدر التمويل لإنشاء منظمة ما. ولم يحدد القانون معياراً محدداً لذلك، وهو ما يرجح خضوع عملها إلى الانتقائية». وأشار الى أن «القضية الأخرى والمهمة هي قضية التسجيل، إذ أن الأفراد الذين يسعون الى تشكيل أو تأسيس منظمة ما عليهم تزويد الحكومة بتفاصيل كاملة عن معلوماتهم الشخصية ابتداءً من البطاقة الشخصية وجواز السفر ومحل الإقامة ومحل العمل». ولفت الى أن عدداً من العاملين يرفضون إعطاء هذه التفاصيل لخشيتهم من التصفية، ولا سيما أن هذه المنظمات مستهدفة والأوضاع الأمنية في البلاد ما زالت غير مستقرة. من جهته، قال رئيس منظمة «رابطة الشباب العراقي» مجيد فرحان مطر ل «الحياة» إن «المنظمات غير الحكومية ليست ضد وجود قانون لتنظيم عملها، ولكن ليس في هذا الشكل إذ يجب أن تتمتع بحرية العمل وألا تخضع إلى مراقبة الحكومة». واعتبر أن القانون «سيء جداً» كونه سيفرض سيطرة الحكومة على جميع جوانب عمل المنظمات غير الحكومية. وكشف مطر أن هناك حملة كبيرة ستقودها عشرات من مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية لمواجهة إقرار القانون في البرلمان في حال لم يقف الأخير الى جانبها، مشيراً الى عقد عدد من «ورش العمل والندوات والمؤتمرات في شكل شبه يومي لمواجهة القانون». إلا أن مصدراً رفيع المستوى في الحكومة العراقية رفض الإشارة الى اسمه قال ل «الحياة» إن سبب إصدار الحكومة قانون تنظيم عمل المنظمات غير الحكومية جاء بعد ورود معلومات عن افتقار بعضها إلى الهياكل التنظيمية وآلية العمل، وعدم توافر الخبرة اللازمة لبنائها على أساس صحيح، فضلاً عن تحول بعضها إلى مؤسسات شخصية من خلال استقطاب الأصدقاء والأقارب. وأضاف أن «بعضها أصبح امتداداً لبعض الأحزاب والتيارات الدينية أو الطائفية أو الاثنية»، لافتاً الى «غياب الديموقراطية داخل هذه المنظمات في النقاشات واتخاذ القرارات وعدم إجراء انتخابات لهيئاتها القيادية، وعدم مساهمتها في وضع تصورات للدستور وللقوانين الجديدة. وتنقصها المبادرة أو تعاني ضعفاً على المستويين الفكري والعملي».