أتمنى من المفتي العام للمملكة ألا ينظر في الخلاف بين وزارة العمل وبعض القطاعات المتضررة من قرار رفع رسوم رخص العمل للشركات التي يزيد عدد الأجانب فيها على السعوديين. أتمنى منه ألا يجعل قضية نظامية قانونية اقتصادية مثار جدل ديني، وهذا ليس إقلالاً من شمولية الإسلام ومقدرة أحكامه على تنظيم حياة الناس في كل المجالات، ولكنه إجلال للدين وتوقير للإفتاء، حتى لا يصبح مستغلاً لتحقيق مصالح أو أجندات خاصة. الاحتكام إلى القانون، أو إلى حنكة وبعد نظر ولي الأمر هما الخياران الوحيدان أمام الطرفين، وإذا كان صاحب الحق يدعمه بالحقائق والأرقام والمستندات، فلن يضيع حقه، أما التلويح الإعلامي والمنبري فأعتقد أنه لن يجدي أي الطرفين نفعاً. في تقديري أن وزارة العمل تسنُّ القوانين من برج عاجي، وإذا أخذت أكثر المتضررين وهم المقاولون، فهم أيضاً ظلوا عقوداً يديرون القطاع من أبراج عاجية، فالوزارة تعلم استحالة الوصول إلى نسبة سعودة 50.1 في المئة التي تعفي المقاول من القرار، لعدم وجود المهنيين الميدانيين من السعوديين (عامل بناء، مليس، مبلط، كهربائي، سباك، وغيرهم). والمقاولون ظلوا عقوداً من الزمن يتكئون على هذه الندرة من دون إيجاد حلول أو بدائل أو وضع لبنات لتحقيق هذا. لنأخذ مثالاً عملياً حتى تكون الفكرة أوضح، فقد بادر وكلاء السيارات اليابانية في السعودية بالتعاون مع الشركات اليابانية جميعاً بإنشاء المعهد السعودي للسيارات قبل سنوات، ومنه تخرج السعوديون لتبدأ رحلة سعودة الوظائف الفنية في مراكز الصيانة، الذي حدث أن بقية الشركات الأوروبية والأميركية والآسيوية استفادت من ذلك، فبتنا نراهم يعملون جنباً إلى جنب مع الفنيين من كل بقاع الأرض، ولكن بأجور معقولة، وظروف عمل مواتية. حسناً، سيكون السؤال إن لدينا معاهد مهنية منذ عقود ولم تفلح في تزويد قطاع المقاولات بأي مهني يعمل في أي من التخصصات التي تدرب عليها، وهذا سؤال مشروع، وإجابته أن هذه المعاهد أديرت بعقلية لا تناسب حاجات السوق، ومعظم خريجيها توجهوا لوظائف حكومية عسكرية ومدنية، ليعاد تأهيلهم من جديد وفقاً لحاجة القطاع الذي انضموا إليه، بعبارة أخرى هي قصة فشل تمت أخيراً محاولة تجميلها، ونجحت المحاولة إلى حد ما، لكنها تظل تغير في تركة ثقيلة جداً. لن يعمل السعودي في أعمال البناء والتشييد والطرق وكل أعمال المقاولات بالأجر الذي يعمل به الأجانب، يجب أن نوقن بذلك، وهم لن يعملوا بأجور الأجانب مضافاً إليها مبلغ ال200 ريال المختلف عليه، يجب أن يقتنع المقاول بهذا ويبدأ التخطيط لإيجاد مورده البشري بنفسه، ولكن أيضاً يجب أن تقتنع وزارة العمل بحساسية المرحلة التنموية العمرانية، ويجب أن تغيّر الحكومة من طريقتها في ترسية وإدارة المشاريع، ويجب أيضاً أن نعمل جميعاً على القضاء على الخلل الذي أفضى لأن تكون حال المشاريع وأسعارها وبالتالي حال المقاولين هكذا. [email protected] @mohamdalyami