المقاولون السعوديون يطالبون الحكومة بالموافقة على صرف الدفعة الاولى من العقود مقدماً، والتي تشكل 20 في المئة من قيمة العقد، وسبب المطالبة ان جميع شركات المقاولات الصغيرة والمتوسطة تعاني شحاً في مواردها المالية، فضلاً عن أن المصارف المحلية تتردد في تمويل مشاريع المقاولات للشركات الصغيرة والمتوسطة. مطالبة شركات المقاولات بدفعات مقدمة يبدو غريباً، في بلد شهد تنمية جبارة في بنيته الأساسية، ويفترض أن لديه شركات مقاولات تعيش وضعاً مالياً مريحاً، لكن، هذا هو الواقع بكل أسف، ومن يتابع تنفيذ مشاريع المقاولات الانشائية التي طرحتها الحكومة خلال السنوات الثلاث الماضية سيجد أنها انحصرت بين ثلاث او اربع شركات استطاعت الاستمرار، أما بقية الشركات التي نشأت وتطورت خلال مرحلة السبعينات من القرن الماضي، واستفادت من الإعفاءات والدعم، فتراجع حجمها، وبعضها أفلس وخرج من السوق، والمفارقة هنا، ان انشاء قطاع المقاولات كانت صناعة حكومية بامتياز، وإضعافه أيضاً كان بسببها، من خلال تعطيل صرف حقوق شركات المقاولات خلال مرحلة شح الموارد، إضافة الى تخلي البنوك السعودية عن الوقوف مع هؤلاء المقاولين الذين لم يستطيعوا مواجهة التزاماتهم المالية. ليس من المستبعد أن تستجيب الحكومة لمطالب المقاولين السعوديين، فهي أول المتضررين من ضعف قطاع المقاولات في البلد، وهي تشعر بمسؤوليتها تجاه ضعف هذا القطاع المهم الذي كانت أول الداعمين له خلال فترة السبعينات من القرن الماضي، لكن صرف مقدم العقود لن يكون كافياً، ولا بد من خطوات أخرى أهمها معاودة النظر في عمل الهيئة العامة للاستثمار، وتغيير شروط قبول ما يسمى ب «شركات المقاولات الأجنبية»، على رغم أنها ليست كذلك، وربط دخول شركات المقاولات الى السوق السعودية بمقاييس عالمية، بشرط أن لا يقل رأس مالها عن 500 مليون ريال، ومراقبة كفاءة الشركات التي تحميها هيئة الاستثمار بلا وجه حق، وصولاً الى خلق منافسة إيجابية تدعم شركات المقاولات الوطنية، وتسهم في نقل خبرات عالمية تسهم في رفع كفاءة هذا القطاع. الأكيد أن الهيئة العامة للاستثمار تلعب دوراً سلبياً ضد شركات المقاولات الوطنية، فهي فتحت الباب على مصراعيه، وبلا ضوابط أو شروط، أمام بعض المقاولين الأجانب الذين لا خبرة مهمة لديهم، فأصبحت تمنحهم تسهيلات في التأشيرات، والتراخيص، وتتغاضى عن مستوى خبرتهم: من يعلق الجرس، من يراقب عبث هيئة الاستثمار بقطاع المقاولات؟