كثيراً ما يحدث أن يرث الأبناء مهن وحرف آبائهم، فيرغب أبناء المزارع في ممارسة مهنة الزراعة أكثر من أية مهنة أخرى، وكذلك أبناء الصناع أو النجارون، ولا يمحو هذا الأثر إلا الرغبة في احتراف مهنة ترى أنها الأفضل مع التطور الحضاري أو لتحصيل علم معين، أو الانسجام مع المجتمع والعيش فيه، وهذا ما تسعى لتحقيقه كثير من الأسر المنتجة في مهرجان الكليجا في منطقة القصيم. فهذه الخالة «أم سعيد» تمتهن «سف» جريد النخل، وصناعة الكثير من المقتنيات الأثرية منذ طفولتها، بعد أن تعلمت هذه الحرفة من والدتها وجدتها، فأتقنت المهنة، وأصبحت تجارة لها تقتات منها، وتقوم بدورها أماً تعول عدداً من الأولاد والبنات مات والدهم منذ زمن، وكذلك «أم سعيد» التي بحثت من خلال ذلك العمل أيضاً عن الاستقلال الذاتي الاقتصادي، ولم تعد عبئاً على أقربائها أو مجتمعها في إشباع حاجاتها المادية، التي تعد مساعدة بناتها في مسألة تسويق مصنوعاتها أمراً إيجابياً، فرغها لصناعة الكثير من المقتنيات وتوفيرها للزبائن. وقالت أم سعيد: «عملي هذا بات الدعامة الأساسية واللبنة الجوهرية لبيتي الذي يجمعني بأبنائي وبناتي، فبقي خط الدفاع الأول الذي يحمينا من الفقر وسؤال الناس، كما أنه سر كلمة التربية التي تقترن بالطفل منذ نعومة أظفاره وإلى أن يصير عنصراً فاعلاً في المجتمع حينما يرى أن العمل اليدوي والاحتراف بمهنة معينة ليس عيباً، بل هو مكسب للاحترام وتقدير الآخرين». وأضافت: «تكونت لي قاعدة كبيرة من الزبائن، وعرفني القاصي والداني، وأسهم مهرجان «الكليجا» منذ انطلاقته في تعريفي على زواره وفي تقويم الموروث الشعبي، واعتباره أداة ثقافية للناشئة، إذ أجد استفسارات من الجيل الحالي ومن الصغار، في حين كل من يريد تزيين منزله بالمقتنيات الأثرية التي تصنع من سعف وجريد النخيل مثل «المحادر» و«السفرة» و«القفة» على مختلف أحجامها يجدها أمامه»، وتابعت: «اهتمام الناس باستقبال الضيوف، وتقديم التمر والأكلات الشعبية في أسلوب تراثي هو ما جعل هذه الحرفة تستمر ويزداد عمرها، فالرجال والنساء على حد سواء يبحثون عن مصنوعاتي لتزيين منازلهم، ولتوطيد الأكلات الشعبية بالأدوات التراثية، وهذا طابع جيد يبرز موروثنا الشعبي».