في وقت استنفرت قوى المعارضة المصرية واحتدم الصراع داخل السلطة القضائية بسبب الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد المقرر منتصف الشهر، اجتمع الرئيس محمد مرسي بأركان حكومته أمس للبحث في الاستعدادات للاقتراع، بعد ساعات من التئام اللجنة القضائية المشرفة على الاستفتاء. ويبدأ اليوم «المجلس القومي لحقوق الإنسان» الذي يهيمن عليه الإسلاميون تلقي طلبات المجتمع المدني لمتابعة الاقتراع. وغداة إعلان مجلس القضاء الأعلى ومجلس الدولة والنيابة الإدارية الاستعداد للإشراف على عملية الاستفتاء، تحدى رئيس نادي القضاة أحمد الزند قرارات تلك الهيئات، داعياً إياها إلى «العمل لمصلحة القضاة». وأكد أن «القضاة يناضلون من أجل إرساء دولة القانون»، ملوحاً بتقديم استقالته «إذ رغبت الجمعية العمومية لمحكمة واحدة في الإشراف على الاستفتاء». واعتبر أن «من يدعي أن 50 في المئة من القضاة وافقوا على الإشراف كاذب»، مؤكداً أن «هناك شبه إجماع من جانب القضاة في جميع المحافظات لرفض الإشراف على الاستفتاء». وأوضح أن «هناك غرفة عمليات لمتابعة الموقف في المحاكم والنيابة العامة في ما يخص تعليق العمل احتجاجاً على الإعلان الدستوري وطرح الدستور للاستفتاء». وشن الزند خلال مؤتمر صحافي عقده أمس هجوماً قاسياً على مجلس القضاء الأعلى، معتبراً أنه «يشق صف القضاة، ولن ينسى له التاريخ ذلك». وقال: «لا ينبغي أن يمارس مجلس القضاء الأعلى حرباً على القضاة ولا بد من أن يكون عوناً للقضاء، وليس من مهمته أن يفرق جمعهم ويشق صفوفهم لأغراض طالت أم قصرت ستكون خلف ظهورنا جميعاً». وخاطب مجلس القضاء قائلاً: «إذا تضامنت وحميت وحدة القضاة ودافعت عنهم فسنشكر لك دورك الذي هو مسؤوليتك، وإذا لم تفعل فالله عاصم القضاة واتركنا لشأننا». وأشار إلى أن «الجمعية العمومية لنادي القضاة قررت مقاطعة الاستفتاء تضامناً مع الشعب المصري». وقال إن «لا شرعية لاستفتاء أو لقانون أو لوثيقة إلا بتوافق الشعب عليه، ونحن لا نمتنع عن أداء الواجب ولم نمتنع طوال عهد القضاء المصري، بل أجبرنا على اتخاذ خطوة الامتناع عن الإشراف على الاستفتاء». وشن هجوماً على الرئيس، ودعاه إلى «عدم السماع للمنافقين». وقال: «كل حاكم يجب أن يعرف أن الشعب هو الباقي... ولن يقبل القضاة بأن يكونوا مأمورين، فلا مطالب شخصية لهم في الأزمة الحالية». وكان الرئيس اجتمع صباح أمس مع نائبه محمود مكي ورئيس وزرائه هشام قنديل ووزراء الدفاع عبدالفتاح السيسي والداخلية أحمد جمال الدين والعدل أحمد مكي والخارجية محمد كامل عمرو والإعلام صلاح عبدالمقصود والدولة لشؤون المجالس النيابية محمد محسوب. وحضر الاجتماع الأمين العام للجنة القضائية المشرفة على الانتخابات طه شاهين. وقال بيان رئاسي مقتضب إن «الاجتماع جاء في إطار استعداد الجهاز الإداري للدولة لإجراء الاستفتاء». وكانت اللجنة المشرفة على الاستفتاء اجتمعت أمس برئاسة رئيس محكمة استئناف القاهرة سمير أبو المعاطي للبحث في الاستعدادات للاقتراع. وعُلم أن رئيس اللجنة سيخرج خلال أيام في مؤتمر صحافي لإعلان تفاصيل اقتراع المصريين المغتربين المقرر السبت المقبل، إضافة إلى استعدادات التصويت في الداخل وإجراءات الفرز وإعلان النتائج. وقال ل «الحياة» مصدر مطلع على ترتيبات الاستفتاء إن اللجنة لم تقرر ما إذا كان الفرز سيتم في اللجان الفرعية أم اللجان العامة، لكنه رجح «الفرز في اللجان الفرعية وإعلان نتائج كل لجنة أمام مراقبي المجتمع المدني ووسائل الإعلام قبل أن تجمع محاضر الفرز». وعن الإجراءات التي ستتخذها اللجنة في حال قاطعت قطاعات واسعة من القضاة الاقتراع، قال إن «القضاة دائماً لا يتخلون عن واجبهم، لكن في حال حصول عجز في إشراف القضاة على اللجان سيتم عمل مجمعات انتخابية في المناطق التي تعاني العجز بحيث يتم ضم لجنتين أو أكثر في لجنة واحدة، على أن يكون القاضي متابعاً لعملية الاقتراع ومراقباً للصناديق». وأشار إلى أن «الشرطة ستضطلع بالمهمة الرئيسة في التأمين، لكن ربما تحتاج دعماً في بعض الأماكن من الجيش». وأفاد بأن السلطات «ستسمح للمنظمات الدولية بمتابعة عملية الاقتراع». وقال: «من يطلب الإشراف ومتابعة الاقتراع فسنلبي طلبه، والمجلس القومي لحقوق الإنسان (جهة شبه حكومية) سيدشن (اليوم) غرفة عمليات لتلقي طلبات المراقبة بالتنسيق مع اللجنة العليا للانتخابات التي ستستصدر الموافقات بالمتابعة والرقابة لمنظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام». في غضون ذلك، اشتعلت حرب تصريحات بين الجمعية التأسيسية التي أعدت مشروع الدستور والأعضاء المنسحبين منها، فخرج صباح أمس الأمين العام للجمعية عمرو دراج ومعه الناطق باسمها محمد الصاوي ليدافعا باستماتة عن آليات تمرير الدستور. وحذر دراج من «وجود نسخ مزيفة من مسودة الدستور تروج لدى الرأي العام سواء على مواقع الإنترنت أو في محطات مترو الأنفاق أو في بعض المكتبات». وقال إن «النسخ المطروحة على الناس تتضمن مواد غير صحيحة». وأضاف أن «المادة الانتقالية الخاصة بتمثيل العمال والفلاحين بنسبة 50 في المئة في مجلس النواب لمدة دورة برلمانية واحدة لا تعني أنهم لن يمثلوا بعد ذلك، ولكن إلغاء هذه النسبة يتيح لهم تمثيلاً أوسع، سواء من خلال التنظيمات النقابية أو عبر أحزاب يؤسسها العمال والفلاحون». وبعدها بساعات عقد ممثلو القوى المنسحبة من الجمعية التأسيسية مؤتمراً صحافياً هاجموا فيه بشدة مشروع الدستور وآلية خروجه. وقال المرشح الرئاسي السابق عمرو موسى إن «الانسحاب من الجمعية التأسيسية لم يكن بسبب خلافات سياسية، وإنما هو موجه إلى مواد الدستور، وإلى كيفية إيجاد نص دستوري تعيش به مصر لعشرات السنين المقبلة». ورأى الناطق السابق باسم الجمعية وحيد عبدالمجيد أن «هذا الدستور هو أسوأ الدساتير المصرية... للمرة الأولى في تاريخنا الدستوري يصبح المصريون غير متساوين، فقد نزعت هذه الضمانة، والمسألة الآن متروكة للغالبية البرلمانية التي ستحدد». وأشار إلى «الحقوق والحريات المنزوعة التي سترجعنا إلى الوراء». وانتقد عضو الجمعية المنسحب الفقيه الدستوري جابر نصار خلال المؤتمر مشروع الدستور الذي اعتبر أنه «يُرَوّج للمصريين بكذبات ثقال ولا يمكن احتمالها... فوجئنا بتعديل مواد كانت محل إجماع من أعضاء الجمعية ولجنة الصياغة واللجان النوعية منها المادة 15 التي تتحدث عن الزراعة والفلاح، وكذلك المادة 198 التي تتعلق بالقضاء العسكري وهي تأتي بأضعاف ما جاءت به وثيقة السلمي التي هاجمها الإخوان». وأردف أن «الدستور الجديد لا يوكل أي اختصاص تنفيذي إلى الحكومة التي ستكون سكرتارية خاصة للرئيس». وناشد مساعد الرئيس المستقيل سمير مرقص الرئيس محمد مرسي «التدخل كرئيس لكل المصريين، وأن تلعب الرئاسة دوراً في تبني الرؤى المختلفة». من جهة أخرى، بدأت أمس محكمة القضاء الإداري النظر في دعاوى تطالب بإلغاء الإعلان الدستوري الذي منح مرسي صلاحيات مطلقة وعطل رقابة القضاء على قراراته. وأرجأت المحكمة النظر في القضية، بناء على طلب محامين من جماعة «الإخوان» طلبوا تنحية القضاة الذين يتولون القضية، ما اعتبره مقيمو الدعوى سعياً إلى تأخير الحكم. وكان محامون ومراكز حقوقية أقاموا دعاوى لطلب وقف تنفيذ الإعلان الدستوري وإلغائه باعتباره «يخالف كل الدساتير والقوانين والأعراف الدستورية». في ميدان التحرير أمس. (أ ب)