يصعب مواجهة حقيقة سوداء بحجم أن علاقتنا بأصدقائنا تشبه علاقتنا بملابسنا، استعجال الخلع، مع اشتراط وجود نظافة كاملة لإعادة ارتداء صديق، وحدهم ساكنو البيئات الفقيرة يجيدون صناعة أصدقاء من دون شروط كقدرتهم على ارتداء ملابس ذات شقوق وعيوب. من ناحيتي، فأنا قميص لا يستقر على جسد، لم أخرج خلال 46 عاماً على الكرة الأرضية إلا بأصابع يد واحدة، ما عداهم يتعاطون معي كعابر سبيل، يتوجب عليه أن يكون بعيداً عن القلب والمحفظة، على رغم محاولتي الجادة لتطبيق ثقافة عربية قديمة تؤكد أن الرفيق قبل الطريق. كان سفري غير الكثير إلى بلدان عربية وأوروبية ناكثاً لجرح الصداقة، فهناك ل«الصحبة» نكهة مستقلة عن مصالح مشتركة، «فلان صاحب فلان» لأنه صاحبه، ليس لأن أحدهما موظف في كتابة عدل، بلدية، أو منصب في قطاع حكومي أو خاص قابل للحلب المالي أو «التنفع» بكسر نظام إداري. يتسبب شح الأصدقاء في شح النصيحة الصادقة، وجفاف المشورة الواضحة، ينتج من ذلك توهان قد يدوم سنوات، وظلام في الأعماق، وحياة تشبه مسلسلاً طويلاً يتكون من حلقات منفصلة، مجرد قصص قصيرة لا امتداد لها، من دون أصدقاء حقيقيين تصبح الحياة مجرد نص مكتوب بركاكة، ومشاهد عشوائية، نهايات لا علاقة لها بالبدايات، تنتهي كل حلقة لأن وقت نشرة الأخبار صار. يترنح رجال المجتمع السعودي – بحسب اعتقادي – في بناء جسور صداقة، ويغلب على هواجسي أن النساء يواجهن مأزقاً أكبر، ذلك أن مرونة حركة السيدات في السعودية «خريطة الأمكنة والأزمنة» خاضعة لقوى تأثير يصعب خلالها بناء «ذكريات» مشتركة بين «صويحبات»، فأحد اشتراطات «وقت الأصدقاء» رحابة في اختيار المكان وامتداد الزمان عند التوافد. تأتي الحسرة مضاعفة عند اكتشافي عدم قدرتي على صناعة صديق من إخواني أو أخواتي، ها هنا أكاد أجزم بأنها بصمة سعودية بامتياز، فصورة الأخ الصديق نادرة، يجلس في عيني صورة واحدة فقط «ماجد نصار وأخيه سلطان» من خلالهما شاهدت إمكان تحويل الأخ إلى صديق، لكن عدم تكرار الصورة مع آخرين يدفعني لمسامحة نفسي لأني لست صديقاً لاخوتي. يوجد جانب في صناعة الأصدقاء له نتائج مبهرة ورائعة جداً، وهو «زوجتي صديقتي» النتيجة «وصية حكيم»، فحينها تفاصيل الحياة اليومية للبيت تكون «شباب في رحلة»، خفيفة على روح الزوجين، يصبح الزعتر بلذة سمك فاخر، وتنفتح أبواب كثيرة للرفق بينهما، وساعات المنزل بخفة ساعات المقهى، فإن نجحتم في تحويل زوجاتكم إلى صديقاتكم تصبحون دوماً بخير، وتمسون كذلك. تتصف بيئات العمل في السعودية بقدرتها على صناعة «أجواء أصدقاء»، وهي نوع من أشباه الصداقة، تنصرم مع خروج الموظف من محيطه القديم، حتى لو مرت سنون على وجوده بينهم، فالتقاعد يشمل انفصالاً عن الوظيفة والموظفين، وهذا محبط جداً، خصوصاً لكبار السن، يجدون فيه نكراناً كبيراً يكاد يقتلهم. يحلو التكرار: أنماط الصداقة في السعودية ومفاهيمها خاضعة في عمودها الفقري للمنصب الوظيفي، أو الحساب البنكي، حتى أدبياتها تخلو من تقديم الصديق إلا بصفته باباً للسوء، فيما استمرار الحياة من دون أصدقاء يشبه تماماً الجلوس على مائدة طعام لا ملح فيه، فاجتهدوا في بناء أصدقائكم قبل بناء منازلكم. [email protected] @jeddah9000