لم تعِ ابنة التسع سنوات التي تفاجأت ببقع حمراء على ملابسها، أنها تبدأ مرحلة جديدة من حياتها. سمعت عن «الضيفة» التي تزور والدتها كل شهر، لكنها لم تعرف من هي، ولا أسباب ومواعيد حضورها. أسئلة كثيرة جالت في خاطرها عندما سألت والدتها برهبة: ماذا أصابني تحديداً؟ ألست صغيرة؟ لم تتوقع الأم أن الصغيرة ستباغتها بوصولها إلى سن البلوغ في هذا العمر المبكر، فهي نفسها لم يَعِدَّها أحد ليوم كهذا، ولم تصارح والدتها عندما زارتها «الضيفة» للمرة الأولى. أخرى وصلتها رسالة من مدرسة ابنها تطلب الموافقة على إعطاء حصة خاصة عن سن البلوغ، والتغيرات الجسدية التي تصاحبها، وطرق الحمل، وغيره، وتساءلت: هل حان الوقت للحديث في هذه الأمور التي لم تكن يوماً موضوعاً مطروحاً للنقاش في عائلتها؟ فحتى 16 من عمرها كانت تعتبر درس الجهاز التناسلي للمرأة، والحمل، والإنجاب في حصة الأحياء من أمور «قلة الأدب»! تعكس هذه القصص إهمال ما يسمى ب «الثقافة الجنسية» للأطفال. البعض يدرك أهميتها ولكن لا يعرف كيف، وأين، ومتى يبدأ؟ وهناك من لا يشغل باله بها، وهناك من يعتبرها «تابو» لا يجوز الاقتراب منه. فكم من أب أو أم حصل على التثقيف الجنسي في مراحل نموهم في مجتمعات تتعامل بمنطق العيب أو التخويف أو التجاهل في ما يخص أسئلة الطفل أو محاولاته لاستكشاف جسده؟ إعداد الطفل إلى مرحلة البلوغ، وما يصاحبها من تغيرات جسدية وعاطفية هي جزء من التثقيف الجنسي للصغير، ولقد أوصت الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال AAP، ودراسات نفسية حديثة أن يحصل الطفل على مفاهيم أساسية قبل وصوله إلى سن البلوغ، كأسماء ووظائف الأعضاء الجنسية للذكور والإناث، وما يحدث خلال فترة البلوغ من تغيرات جسدية، والغرض من الدورة الشهرية، وكيفية حدوث الحمل والإنجاب، ووسائل منع الحمل، وتوقعات وقيم الأسرة. فالثقافة الجنسية تمد الطفل بالمعلومات اللازمة التي تساعده على التعامل مع تطورات جسده، كما تؤدي دوراً مهماً في تشكيل مواقفه ومفاهيمه حول الجنس وعلاقته الزوجية في المستقبل، ويعدُّها البعض الخطوة الأولى للحماية من التحرشات والاعتداءات الجنسية. ويقترح المتخصصون أساليب مختلفة لبدء عملية التثقيف الجنسي للأطفال، أولها أن يدرك الأهل مدى أهميتها، ويبادروا بتقديم الإجابات عن الأسئلة المحتملة بحسب سن الطفل وقدرته على الاستيعاب من خلال استخدام لغة علمية بسيطة. وهناك كتب ومقالات منشورة في هذا الجانب تقترح طرقاً سهلة يمكن اتباعها. فمثلاً في شبكة تربية الأطفال الأسترالية Raising Children Network مقالات متنوعة تعرض أساليب مبسطة لبدء عملية التثقيف الجنسي للطفل، كتشجيعه على التساؤل إن بادر به، وإجابته عن أسئلته، ومحاولة معرفة ما يملك من معلومات كسؤال: هل تعرف كيف يأتي «المواليد»؟، وتصحيح الخاطئ منها مع إعطاء حقائق، ومصارحة الطفل إن كان الوالدان لا يملكان معلومات عن بعض أسئلته، واستغلال الفرصة للبحث عنها سوياً، مع أهمية توضيح معنى سن البلوغ، والتكاثر الجنسي، والقوانين التي تنظمه. كيف أتينا؟ وكيف نخرج من بطون أمهاتنا، وقبلها كيف نصل إلى هناك؟ ولماذا تتغير أجسامنا؟ أسئلة تتبادر إلى أذهان غالبية الأطفال، ويحاولون البحث عن إجابات لها. ولقد مكنتهم الثورة التكنولوجية اليوم من الإجابة عن كل تساؤلاتهم من دون التفريق بين الخطأ والصواب. فمبادرة الأهل بالتحدث إلى الأبناء، وإشباع فضولهم بإجابات مقنعة لا تكرس مفاهيم «العيب» أو «قلة الأدب» في ما يعد عملية إنسانية طبيعية، تعدهم لحياة جنسية وعاطفية صحية، وتوفر لهم المعرفة التي تسلحهم لحماية أنفسهم من الإساءة الجسدية، وتجعل من الأسرة المحطة الأولى التي يمكن أن تناقش فيها كل الأسئلة وتطرح أمامها كل المشكلات بلا خجل أو خوف. [email protected] DaliaGazzaz@