تميزت حفلة الفرقة القومية للموسيقى العربية التي افتتحت بها دار الأوبرا المصرية موسمها الشتوي على المسرح الكبير، ببرنامج جيد وأصوات متألقة جاءت مناسبة لموضوع الحفلة الذي اقتصر على ألحان محمد عبد الوهاب في إطار الحفلات المتخصصة التي تنوي فرق الموسيقى العربية تطبيقها هذا العام، كما أنها حظيت بإقبال جماهيري كبير. وقاد الحفلة المايسترو سليم سحاب، الذي سعى إلى أن يكون هناك بعض التنوع والتجديد ونجح في ذلك. تضمن برنامج الحفلة فاصلين، بدأ كل منهما بالموسيقى الخالصة، واستمع الجمهور إلى مقطوعة «هدية العيد» التي تستهل بأدوات النفخ والإيقاع الغربية وتختتم بإيقاعات شرقية راقصة، وبها استطاع سحاب تقديم فرقته الموسيقية المكوّنة من عازفين ماهرين، كما استعرض إمكانات دار الأوبرا، كونه استعان ببعض عازفي الأوركسترا. وكانت الفقرة الثانية من أداء المجموعة لأغنية «مصر يا أم الدنيا» التي كانت في الأصل من غناء سوزان عطية وتوفيق فريد توزيع حسين جنيد، وأعاد سحاب صياغتها لمجموعتي النساء والرجال، وأيضاً من خلالها قدم هذه المجموعة الإنشادية الرائعة التي سيستثمرها في عدد من فقرات البرنامح، ولكن كانت هي العمل الجماعي الوحيد ضمن 13 فقرة! الجديد في البرنامج تقديم الأغنية الدرامية التي يشارك فيها عدد من المطربين، مع المشهد الشهير لقيس وليلى والذي كان يؤديه عبد الوهاب مع أسمهان، وهنا أداه كل من ريم كمال التي تعد من أقرب الأصوات إلى أسمهان، والتي اكتسبت خبرة كبيرة من خلال فرقتها الخاصة وتعاملها مع أكثر من مايسترو. وقدمت في الحفلة أيضاً أغنية أم كلثوم «أمل حياتي» بتمكن واقتدار وجمال صوت. وشارك أيضاً في هذه الفقرة خالد عبد الغفار من مؤسسي الفرقة، والذي له باع طويل في أغاني عبد الوهاب، وشدا في الحفلة بأغنية عبد الوهاب «آه منك يا جارحني». أما الصوت الذي حاز الإعجاب في البرنامج فكان لمحمد الشامي، الذي أدّى دور الأب لكنه أضفى عليه خفة دم اتضحت أيضاً في الأغنية السينمائية الشهيرة «اللي يقدر على قلبي» التي قُدّمت في الفصل الثاني حيث أدى دور إسماعيل يس وحصل على تصفيق حار. ومحمد الشامي من المطربين المعروفين ويشتهر بأداء متميز لأغاني محمد رشدي، ولكن هنا استطاع المايسترو توظيفه بشكل جديد يتناسب مع إمكاناته الصوتية والدرامية. وقامت بدور ليلى مراد في هذه الفقرة الفنانة إيمان عبد الغني التي تعد أيضاً من أقدر الأصوات في الساحة الآن والتي شاركت في الحفلة بأغنية «اتمخطري يا خيل». بين هاتين الفقرتين جاءت الأغنية الفردية التي أحسن المايسترو سليم سحاب اختيارها فتنوعت بين ألحان عبد الوهاب لكل من عبد الحليم حافظ وليلي مراد وأم كلثوم وبين أغانيه التي يؤديها بصوته. أما الفقرة الموسيقية، فكان درة البرنامج عزف منفرد مع العازف الماهر محمد ظهير، الذي استمعنا من خلال أوتار آلته إلى أغنية «ما ليش أمل» التي قدمها بتفوق في التكنيك والتعبير. المايسترو سليم سحاب قدم الجانب المتطور موسيقياً من أعمال عبد الوهاب، واختار معظم الأعمال التي تعتمد على توزيع أوركسترالي جيد وتوظيف متميز للأصوات البشرية، مثل استعمال البيانو مع الصوت البشري في «آه منك يا جارحني» وآلة القانون والتمهيد الكورالي في قصيدة «دعاء الشرق». وأخيراً جاءت الحفلة بداية طيبة للموسم الذي سيستمر حتى حزيران (يونيو) 2015 ويقدم خلاله أكثر من 400 حفلة لفرق الموسيقى العربية التابعة لدار الأوبرا (القومية والتراث وعبد الحليم نويرة وفرقة الإسكندرية للغناء العربي).