خدعت المطربة البحرينية نجمة عبد الله (1964) جمهورها حين حيّته في حفلة أحيتها في دار الأوبرا في دمشق أخيراً. أطلّت بثوب أحمرَ واسع، ونظّارة سوداء، لتبدو في زيٍّ وهيئة يدلان دلالةً قويةً على محاولتها استحضارَ كوكب الشرق أم كلثوم في هيئتها التقليدية. وتكتمل القصة ببرنامج الحفلة المخصصة لأغاني المطربة الراحلة. وتلعب نجمة دوراً ناجحاً في تقمص الحالة الكلثومية كلها، إذ تُلقّب نفسها ب «كوكب الخليج»، بعدما نالت عام 2006 جائزة المطربة الأقرب صوتاً وشكلاً إلى أم كلثوم، في مسابقة فنية لبرنامج «زي النجوم» على تلفزيون دبي. وكأم كلثوم، ترسم نجمة صوتها في المقاطع التي اختارتها من أغنيات كوكب الشرق الطويلة، وهي تتماهى مع الصوت الكلثومي إلى درجةٍ تعاطى الجمهور فيها مع الأمر وكأنه في حضرة الصوت الأصليّ. فالتصفيق ذاته بين نقلات الموسيقى لا يختلف إلا في زمنه ومكانه، وبالحماسة نفسها يتلقّى الحضور ألحانَ رياض السنباطي لأغنية «لسه فاكر»، لكنْ بصوت نجمة المتأنّي في محاذاته الدقيقة تسجيلاتٍ تركتها أم كلثوم وراءها كذاكرة، وحُفِظت عن ظهر قلب. تضحك نجمة بعد سؤالها عن سرّ تشبُّهها بشكلِ كوكبِ الشرق الخارجيّ قائلةً ل «الحياة»: «كل ما أفعله من حركات هو أمر لا إراديّ، أمّا النظّارة فأضعها كي لا أنزعج من ضوء المسرح». وتعتبر نجمة أنّ النّاس لا يزالون مُقبِلينَ على صوت أمّ كلثوم الساحر على رغم تردّي حال الأغنية العربية عموماً. ولا ترى نفسها بعيدةً من أجواء الغناء البحرينيّ المملوء بقصص الغوص والبحر، والهجر والغربة، مضيفةً: «لكلّ بلد تراثه الغنائيّ الخاص، ولا بدّ من أني تأثّرت بذلك». ترى نجمة التي لم تدرس أصول الغناء والموسيقى أكاديمياً، أنّ معجزةً ما قد حدثت، جعلتْها تتمكّن من أداء الأغنيات الكلثومية بهذه المطابقة. وتضيف: «تستحق أم كلثوم أن نُخلِّدها، لكنّ نجمة تنتظر الفرصة المناسبة لتظهر بخصوصيتها إلى العالم أيضاً». تنوي الفنانة البحرينية تسجيل فيديو كليب لإحدى أغاني أم كلثوم، كما تأمل أن تُعرَض عليها بطولة فيلم عن سيرة حياتها، مؤكدة «لا أريد أن أغنّي لغيرها، لأن أغانيها في حاجة إلى عمر كامل من الغناء». واختيرت للحفلة أغنياتٌ خفيفة على السمع، بينما تلقّت نجمةُ بخفةٍ إشاراتِ النوتة من المايسترو خليفة زيمان قائد فرقة البحرين للموسيقى، ولو أنها خرجت في أحيان قليلة عن اللازمة الموسيقية، مُبتعدةً عن التمسُّك بتفريدات أم كلثوم الغنائية النادرة. تنبعث عباراتُ غزلٍ من الجالسين في الحفلة إلى نجمة، وهي تصدح ب «دارت الأيام» التي لحّنها محمد عبد الوهاب الذي اختارتْ من ألحانه أيضاً أغنية «أنت عمري» لتؤدّيها مع متابعة الجمهور ما بدأه في بداية الحفلة من تصفيق ودندنات هامشية، من دون أن ينفصل عن علاقته الطازجة بالموسيقى، وكأنه لا يجد في نجمة إلا حاجة مُلِحَّة للتمتُّع بأرشيفه الذاتيّ عن أم كلثوم وارتباطها بالحُبّ النضر الآخذ. وتصف نجمة غناءها ب «رغبة في دخول بحر غزير من أرشيف الفنانة المصرية»، نافيةً أن يكون هناك أي نوع من التحدي لأحد، جازمةً بأنها حقّقت شهرة في العالم العربي، على رغم أن إنتاجها الغنائيّ الشخصيّ قد اقتصر على ألبومها الأول «أين يا صبية» (عام 1985)، وألبومها الثاني «حكِّم ضميرك» (عام 1997)، بيد أن غناءها في دار الأوبرا المصرية عام 2001 شجّعها على تبنّي الحالة الكلثومية. لم يختلف أداء نجمة لأُغنيَتَي «أنساك ده كلام» و«سيرة الحب» من ألحان بليغ حمدي، عن أدائها غيرَهما من الأغاني، فهي تُحاول جاهدةً كسْب ثقة الجمهور، وتشتيتَه حتى عن تذكُّرِ أنه ليس أمام المطربة الحقيقية. وبلهجة بحرينيةٍ، كسرتْ نجمةُ حدّة التقليد، لتطلب من الجمهور الغناءَ معها في «غنّي لي شوي شوي» من ألحان زكريا أحمد الذي اختارت من ألحانه أيضاً أغنيةً أُخرى هي «أنا في انتظارك». «عظمة على عظمة» جملةُ ليالي كوكبِ الشرق الغنائيةِ الخلاّبة، ردّدها جمهورُ نجمة في الحفل أيضاً، لكنْ هل كانت نجمة هي المقصودة أم هي فرصة لاستذكار جوّ موسيقيّ ساحرٍ لصوتٍ لم يكن له مثيلٌ على حدود علمنا؟!.