استطاعت الباحثة والناقدة الموسيقية رانيا يحيى أن تقدم توزيعاً موسيقياً جديداً لألحان شرقيةأصيلة، عبر عزفها المتمكن على آلة نفخ غربية هي الفلوت. صالت وجالت بين مفاتيح الآلة وعبر دفقات هواء ترسلها في هيئة شهقات وزفرات منتظمة متواترة محسوبة، محدثة حالة موسيقية فريدة أمتعت الحضور، شاركها فيها ابنها الموهوب، المصنف كأصغر عازف فلوت معتمد رسمياً يحيى الهرميل (9 سنوات)، وابنتها فريدة (6 سنوات) على الإكسيلوفون. حالة موسيقية فريدة مزجت بين سنوات الخبرة الطويلة والدراسة الأكاديمية المتخصصة والموهبة الفطرية والعفوية المنطلقة، تدثرت بأبهى تجلياتها لتخرج نغمات شرقية خالصة وألحان أصيلة بعثها إبداع الأسرة الفنية الموهوبة بين جنبات المسرح الكبير، واكتملت بحضور الملحن الضرير- المبصر عازف البيانو عمرو سليم في حفلة كبيرة أقيمت في الإسكندرية وحضرها جمهور كبير من عشاق الطرب الأصيل. وعلى رغم شرعية الغضب الذي يتملك كثيرين حيال التوريث الذي تشهده كثير من المهن، والذي يتفاقم عندما يتعلق الأمر بالمهن الإبداعية، فن أسرة رانيا يحيي تخطت تلك النظرية، فظهرت موهبة طفليها الفذة على رغم حداثة سنيهما، وأظهرت إشادة كل من سمعهما صدق موهبتهما. ولا تقتصر الجينات الإبداعية على ولدَي عازفة الفلوت المتمكنة، فشقيقتها رشا يحيي من أشهر عازفي الفيولا في مصر، وهي تشارك شقيقتها وابنيها الكثير من الحفلات في مصر وخارجها. تقول رانيا: «اكتشفت والدتي موهبتي الموسيقية وموهبة شقيقتي منذ الطفولة، فألحقتنا بالكونسرفتوار. وهو ما فعلته مع ابني يحيى وهو فنان بالفطرة شديد الحساسية يعزف البيكولو فلوت والماريمبا والبيانو الإكسيلوفون وقدم معي العديد من الحفلات ولم يكن سنه السادسة، وفريدة عازفة إكسيلوفون وبدأت حديثاً تتعلم البيانو». وتشدد رئيسة مجموعة الفيولا في أوركسترا القاهرة السيمفوني على أهمية عودة مادة التربية الموسيقية إلى المدارس، «فهي توقظ التفاعلات الإبداعية عند الطالب ليطلق العنان لخياله للتعبير عن ذاته، كما أنها تساهم في رفع الثقافة الموسيقية وبالتالي زيادة الوعي». وتوضح «أن حفلات الموسيقى الكلاسيكية لم تكن تلقى رواجاً عربياً ودائماً ما تتخطى نسبة حضور الجمهور الغربي الجمهور العربي»، ما دفعها إلى تقديم الأغاني الشرقية عبر آلة الفلوت الغربية بتوزيعات جديدة. فنجح الرهان في جذب الأذن العربية. قدمت يحيي في الأمسية عدداً من توزيعات الأغاني الشرقية، منها «ألف ليلة وليلة» لأم كلثوم و»زينة» لمحمد عبد الوهاب و»أنا وأنت وبس» لفريد الأطرش و»حبيبتي يا مصر» لشادية، كما قدمت العديد من أغاني فيروز منها «سهر الليالي» و»أعطني الناي وغني» و»شط الإسكندرية». وفي نهاية الأمسية، قدمت فاصلاً شعرياً مع الشاعر عصام خليفة، فامتزجت النغمات القوية بالكلمات الرشيقة المعبرة، وألقى قصيدة جديدة بعنوان «الأرض»، إضافة إلى عدد من القصائد الوطنية. يذكر أن رانيا يحيي أستاذة في المعهد العالي للنقد الفني في أكاديمية الفنون، وحصلت على شهادات تقدير وجوائز عربية ودولية، وأحيت العديد من الحفلات المنفردة وموسيقى الحجرة في عدد من الدول العربية والأوروبية.