فتح اكتشاف تزوير شهادات مخبرية لأكثر من ثلاثمئة مستحضر طبي، البابَ لتحرك وزير الصحة العامة علي حسن خليل لجهة اتخاذ إجراءات وتدابير مشددة لضبط أداء بعض العاملين في الوزارة ولوضع ضوابط وقائية لوقف أي شكل من أشكال التزوير، مع أن المزورين استخدموا أختام الوزارة من خلال طبع نماذج للشهادات الصادرة عن المختبرات الطبية المعترف بها رسمياً والمولجة إجراء فحص مخبري للمستحضرات الطبية للتأكد من أنها صالحة للاستعمال ومستوفية للشروط الصحية. وعلمت «الحياة» أن الشهادات المزورة لم تحمل تواقيع وزارة الصحة، واستعيض عنها بأختام مزورة تتعلق بالوزير ودائرة التفتيش الصيدلي في الوزارة. وكانت إجراءات خليل ضرورية لوقف الفلتان وضبط أداء العاملين في الوزارة، وهذا ما استدعى كفّ يد أكثر من 20 موظفاً وإحالة عشرة موظفين على التفتيش الإداري والمالي بعد أن تبين أن بعضهم يغض النظر عن التدقيق في المعاملات الصحية والطبية، على رغم ان لا علاقة لهم بعمليات تزوير الشهادات المخبرية التي لم تخضع للتدقيق عبر الممر الإجباري الذي يتطلب التقدم بعينات من المستحضرات الطبية لإحالتها رسمياً، وبحسب الأصول، إلى المختبرات الطبية. كما علمت «الحياة» أن فوضى الترخيص لحضانات الأطفال التي ارتفع عددها أخيراً إلى أكثر من 450 حضانة، أظهرت أن هناك حوالى 60 حضانة لا بد من إقفالها لمخالفتها الشروط الموضوعة من وزارة الصحة كأساس لمنحها رخصة. وكان اكتشاف عمليات التزوير وراء المراسلة التي بعث بها الوزير خليل إلى المديرية العامة للجمارك بضرورة إعلام الوزارة بالمستحضرات الطبية المستوردة من الخارج إلى لبنان فور وصولها إلى المطار ومرفأ بيروت أو عبر البوابات البرية التي تربط الحدود اللبنانية بالسورية. وأكدت مصادر رسمية ضرورة التدابير التي اتخذها الوزير خليل بربط كل المعابر التي تربط لبنان بالخارج بوزارة الصحة، لتكون الأخيرة على بينة من المستحضرات الطبية المستوردة من الخارج. ولفتت إلى أن الربط الإلكتروني بين المعابر اللبنانية ووزارة الصحة ضروري، لأنه يتيح لها التدخل فوراً للتأكد بعد إخضاع المستحضرات للفحص المخبري من كونها مستوفية الشروط. وكشفت المصادر نفسها أن وضع اليد على عمليات تزوير لنتائج «الكولوكيوم» لمزاولة مهنة الصيدلي في لبنان دفعت وزارة الصحة التي كانت وراء اكتشافها، إلى اتخاذ تدابير تأديبية جذرية أدت إلى إقفال الصيدليات التي يديرها هؤلاء المستفيدون من النتائج المزورة إضافة إلى إحالة أصحابها على القضاء المختص للتحقيق معهم وإصدار الأحكام بحقهم. أما في خصوص تزوير الشهادات المخبرية للمستحضرات الطبية، فقالت المصادر عينها إن النيابة العامة التمييزية تلاحق هذا الملف بعد أن وضعت اليد عليه، وإن التحقيق مستمر من قبل المباحث الجنائية المركزية لتبيان هوية المزورين وللتأكد مما إذا كان هناك من شركاء جدد للمزورين، بعد أن ادعى المدعي العام التمييزي القاضي حاتم ماضي على فؤاد وهبه وعبداللطيف فنيش الملقب ب «محمود» وآخرين مجهولي الهوية. وتوقعت هذه المصادر أن يصار قريباً إلى تسليم فنيش للمدعي العام التمييزي، وربما في غضون هذا الأسبوع، وقالت إن قيادة «حزب الله» كانت أبلغت المعنيين بأن لا علاقة لها بعمليات التزوير الخاصة بالنتائج المخبرية للمستحضرات الطبية، وأنها على استعداد ليس لرفع الغطاء السياسي عن المتهمين فحسب، وإنما للضغط من أجل تسليمهم في أقرب فرصة ممكنة. كما أن وزير التنمية الإدارية محمد فنيش المنتمي الى «حزب الله»، كان أول من أعلن في بيان له أنه ضد أي مرتكب في هذا الملف حتى ولو كان شقيقه، وأن أركان الدولة والوزراء شعروا في لقاءاتهم معه بمدى المرارة التي أصيب بها جراء اتهام شقيقه بتزوير الشهادات المخبرية. وأكدت أن الوزير فنيش يضغط شخصياً من أجل تسليم شقيقه للقضاء لأنه يريد تمرير رسالة لمن يعنيهم الأمر، وفي ضوء اتهام «حزب الله» بأنه يقف وراء عمليات التزوير، بأنه يلتزم فعلاً ما قاله وأنه ليس في وارد السعي لطي ملف التحقيق. وأوضحت المصادر الرسمية أن المتهم الآخر في هذا الملف المدعو فؤاد وهبه، هو من أصحاب السوابق وكان أوقف وسجن 40 يوماً بتهمة تزوير أدوية تتعلق بمعالجة مرض السرطان ومنع من الدخول الى وزارة الصحة أو المراكز التابعة لها، تمكن من الفرار إلى البرازيل بعد أن انكشف ضلوعه في تزوير الشهادات المخبرية. وأكدت أن القضاء اللبناني سارع إلى إقفال مستودعين للمواد الطبية والأدوية بسبب علاقة وهبه بهما كونه المدير المسؤول عنهما أمام الجهات الرسمية المختصة، وقالت ان صاحبهما أخضع للتحقيق ونفى علاقته بتزوير الشهادات، لكن لا عودة عن قرار الإقفال، باعتبار أن وهبه هو مديرهما المسؤول... ولدى سؤال المصادر عن الأسباب الكامنة وراء عدم إقفال مستودعات أدوية أخرى ثبت أن المدعو فنيش هو وراء تزوير الشهادات باسمها، قالت إن التحقيقات القضائية أظهرت أن لا علاقة له بالمستودعات، كونه لا يملكها وليس لديه أسهم فيها، وان مهمته تقتصر على تعقيب المعاملات، وان ما أقدم عليه لم يكن بعلم أصحاب هذه المستودعات مع أن بعضهم يمتون بصلة القربى إليه. وأضافت أن فنيش لم يعيَّن مديراً مسؤولاً لأي من هذه المستودعات، وبالتالي فإن الإجراء القضائي يبقى محصوراً به حتى إشعار آخر، خصوصاً أن بعض أصحابها تقدموا فور اكتشاف عمليات التزوير من النيابة العامة التمييزية بدعويين منفصلتين، الأولى ضد فنيش والثانية على مجهول في حال تبين أن له علاقة بالتزوير.