أصبح موضوع المعاش التقاعدي في روسيا منذ سنوات الأكثرَ حضوراً واستحضاراً للأفكار المتشائمة، إذ يكفي ما خلُصت إليه إحصاءات سكانية في المجتمع الروسي، مبيّنة أن أفقر شرائحه هم المتقاعدون. وتميل غالبية من الروس إلى عدم الاعتماد على الدولة عندما تفكر في سبل تأمين مستقبل مستقر في مرحلة التقاعد. لكن المشكلة لدى كثر تكمن في عدم توافر أبواب أخرى يمكن أن يطرقوها بحثاً عن بعض الأمل في شيخوخة هادئة. وأثارت إصلاحات قوانين التقاعد في روسيا، والتعديلات الكثيرة التي طرأت عليها في السنوات ال 12 الماضية، نقاشات صاخبة، وترافقت مع شائعات وفضائح كثيرة. وعلى رغم الجهد المبذول لتقديمها بأفضل صور ممكنة، لم تصبح واضحة ومنطقية بالنسبة إلى غالبية الروس. ويبدو كأن في المشهد حول هذا الملف الحيوي طرفين يسابقان الزمن، إذ تقترح الحكومة إصلاحات جديدة مرة كل بضعة سنوات، بالتوازي مع الزيادة الكبرى في عدد المتقاعدين. ويزداد السباق ضراوة في بلد يصاب بالشيخوخة، ويدخل فيه سنوياً إلى سن التقاعد أكثر من 600 ألف شخص. ويكفي أن الوضع الحالي في روسيا لا يشجع على التفاؤل أبداً، ففي مقابل كل 12 عاملاً منتجاً، يعتمد 10 متقاعدين في معيشتهم على أقربائهم العاملين، استناداً إلى معطيات قدمها نائب رئيس مجلس الدوما أندريه فوروبييف. وفي أحد مراسيمه الأولى بعد تسلمه مهماته في أيار (مايو) الماضي، كلّف الرئيس فلاديمير بوتين الحكومةَ وضع مشروع استراتيجي لتطوير نظم التقاعد، وصمّمت وزارة العمل خطة متكاملة حتى عام 2030، وأمر بوتين بفتح باب مناقشتها قبل إقرارها نهائياً كقانون، ينتظر أن يسنّه مجلس الدوما منتصف الشهر المقبل. وتنص الإصلاحات التي ستنعكس في القانون المنتظر على مبادرات وتوجهات جديدة، إذ اقترحت وزارة العمل تحويل قسم من أموال الادخار التراكمي في موازنة النظام التقاعدي في خلال السنتين المقبلتين لتسديد مستحقات المتقاعدين، والبدء بعد ذلك في نظام جديد يكون الادخار التراكمي بموجبه مخصصاً فقط لتلك الفئات المشاركة في الادخار مباشرة أو عبر المؤسسات التي تدفع عن موظفيها لتأمين معاش تقاعدي. ولتوضيح النظام، فإن اليد العاملة التي يُقتطع منها الادخار التراكمي ستواصل على مدى سنتين الإنفاقَ على المتقاعدين الحاليين، على أن تكون قادرة بعد ذلك على ضمان تخصيص ما يقتطع منها لتأمين تقاعدها في مرحلة لاحقة من هذه الخطة. وكما قال رئيس الوزراء ديمتري مدفيديف، فإن نظام الادخار التقاعدي الحالي «أثبت فشله ويحتاج إلى تطوير ملح». ورأى مؤيدو هذه الإصلاحات، أن النظام التقاعدي «سيكون أكثر عدلاً على المدى البعيد بالنسبة إلى العاملين، لأنه يرفع عن كاهلهم تدريجاً دفع مخصصات المتقاعدين الحاليين، وهم يشكلون نصف المجتمع». لكن المعارضين حذروا من أن «يزيد هذا التطور من بؤس فئات واسعة جداً لا تكاد تحصل على فتات يومها». ويتمثل الأمر الثاني في إلغاء النظام التقاعدي لمَن يواصلون العمل، بعدما أثار القانون المقترح الجدل مجدداً حول ضرورة إلغاء معاشات المتقاعدين لأولئك الذين لا يزالون في العمل أو الذين يحصدون أرباحاً معينة. لكن مسؤولين أعلنوا عدم شمول الخطة حرمان متقاعدين من حقوقهم حتى لو كانوا يحصلون على دخل ثابت. ويتصل البُعد الثالث المطروح بعدد سنوات العمل، وأوضحت غولوديتس، أن النقاش يدور حول محورين، الأول تقليص سقف سنوات الخدمة إلى 35، والثاني زيادة الفترة الموضوعة في الخطط الحالية لدفع الرواتب التقاعدية من 19 إلى 21 سنة. في البعد الرابع للإصلاحات، أوضح رئيس البرلمان النائب السابق والقائم بأعمال محافظ موسكو اندريه فوروبيوف، أن التركيز الرئيس لإصلاح المعاشات التقاعدية المقبلة، يلحظ ضرورة زيادة العبء على أرباب العمل في الوظائف «الخطرة» لجهة البيئة مثلاً.