كان من الممكن أن تكون هي الضحية الجديدة التي ستغادر هذه الدنيا لولا أن قيض الله لها من لاحظ مؤشرات واضحة، على رغم أنه كان من الممكن أيضاً أن تختفي الفتاة كغيرها لنسمع لاحقاً أنها ماتت تحت التعذيب وتنضم إلى قافلة الضحايا اللاتي سبقنها. كان من الممكن أن يمنعها والدها من الذهاب إلى المدرسة، وكان من الممكن أن تدعي زوجة أبيها أنها مريضة ولا تسمح لها بالذهاب إلى مدرستها، حتى لا تفضحها أو تفضحه أو تفضحهما ملامحها البائسة وجوعها وعطشها وآثار ضرب مبرح على جسدها النحيل. ياااااااه يا ريم، لم تجد المعلمات ولا منسوبات المدرسة وسيلة سوى الاتصال بالجلاد وبمعاونته ليخبرنه أن ابنته ليست في حال جيدة، وليقوم هو بإخبارهم بأن لديها موعداً في المستشفى وألف شكر لكم على اهتمامكم بابنتي! ولكن إرادة الله جعلته يرسلها إلى المدرسة على رغم كل ما بها من كدمات وحروق وتعب، ليتأكد الجميع من أن الاتصال بالأسرة ليس دائماً الحل الأمثل والوحيد. وأحمد الله كثيراً أن منسوبات المدرسة لم يكررن الاتصال العقيم بالأسرة مرة أخرى، وقمن هذه المرة بالاتصال بطبيبة الوحدة التي حضرت وعاينت، وتم تحويل المعنَّفة الجديدة إلى المستشفى. الغريب العجيب أن الأب غير المكلوم يتوعد برفع القضايا على من يتهمه وزوجته المصونة بتعنيف الفتاة، وكأن الكدمات التي بجسدها قام بها اللهو الخفي أو جني ملعون يريد العبث بسمعته وبسمعة صاحبة الحنان الأم البديلة صاحبة البطولة الدائمة في تعذيب الضحايا بمساعدة صاحب القوامة الذي كسب قضية الحضانة. منسوبات هذه المدرسة يجب أن يكرمن، فليس سهلاً في مجتمعنا هذا أن تقف بمفردك وسط التيار تسمع تهديد من كشفته، وتسمع أنه يتوعد، ثم تراه مطلق السراح هو وزوجته، وحتى اللحظة لا نعلم لماذا وتحت أية ذريعة! في أرلندا حكمت المحكمة على مبتعث سعودي بالسجن سنة مع وقف التنفيذ، بعد أن أبدى ندمه وجهله وتعهد بعدم معاودة ما فعل عن جهل، بعدما سمحوا لزوجته بمغادرة الأراضي بصحبة الرضيع بعد الاطمئنان على سلامة وضعه. هل تريدون أن تعرفوا ما هي جريمة الأب السعودي؟ ببساطة هز الطفل بصورة قد تعرضه للخطر، قامت الدنيا هناك ولم تقعد، وتسابقت المؤسسات الحكومية قبل الأهلية للوقوف مع الطفل المهزوز ومع أمه. لم يكن جائعاً ك...ريم، ولم يكن منهكاً ك...ريم، ولم تبدُ على جسده الصغير آثار ضرب وتعذيب وحرق، ولم تكن نظراته تحمل رائحة الموت ك...ريم، ولم تسكن وجهه تفاصيل الخوف والرعب كما ارتسمت على وجه ريم. يبدو أننا في حاجة ملحة لتغيير مفهوم الحضانة والقوامة، على رغم أن الأمهات بدأن يحصلن على حضانة بناتهن، لأن التجارب والخبرات المؤلمة أثبتت أن الرجل ليس ملائماً لحضانة بناته، لأنه يتركهن يتأدبن جوعاً وعطشاً وضرباً وحرقاً، فرحاً بمجتمع يمنحه حق الحضانة لأنه أعلم بمصلحة بناته! [email protected] @s_almashhady