تعرض الحكومة المغربية اليوم مشروع موازنة العام المقبل أمام مجلس المستشارين في الغرفة الثانية في مجلس النواب، بعد أن صادق مجلس النواب (الغرفة الأولى) بالغالبية ليلة السبت-الأحد على المشروع المالي الذي يسعى إلى تحقيق نمو نسبته 4.5 في المئة في الناتج المحلي الإجمالي، وخفض عجز الموازنة من 6 الى 4.8 في المئة، واستثمار 180 بليون درهم (20 بليون دولار) وتوظيف 25 ألف شاب، وإصلاح عدد من القطاعات الاجتماعية لتحسين معيشة الفقراء المقدر عددهم بنحو 11 في المئة من مجموع السكان. وأوضح وزير المال والاقتصاد المغربي نزار بركة في تصريح الى «الحياة»، أن الموازنة المقبلة تسعى إلى ضمان توازن الحسابات الكلّية التي تلقي بثقلها على العجز، بالعمل على تقليصه تدريجاً إلى 3 في المئة بحلول عام 2016، ومعالجة خلل ميزان المدفوعات الخارجية الذي يواجه ضعفاً متواصلاً بسبب ارتفاع الواردات وقيمتها، والتي باتت تمثل مرتين قيمة الصادرات، ما سيرفع عجز الحساب التجاري إلى 9 في المئة من الناتج الإجمالي العام المقبل. وأكد أن أحد أهداف الموازنة العمل على تحسين تنافسية الاقتصاد المغربي، وتوفير مناخ أعمال يساعد على جلب الاستثمارات الخارجية، ورفع حصة الصادرات عبر تطوير صناعات جديدة، مثل جَمع السيارات وقطع غيار الطائرات والإلكترونيات وصناعة الأدوية والكيماويات والفوسفات، وتوسيع الأسواق في أفريقيا والعالم العربي والإسلامي. ويذكر أن عجز الميزان التجاري هو أحد الهموم الكبيرة التي تواجه الموازنة. رصيد الاحتياط النقدي وأفاد مصدر في «مكتب الصرف» المشرف على القطع الأجنبي والتجارة الخارجية، بأن رصيد الاحتياط النقدي من العملات الأجنبية يغطي بالكاد 4 أشهر من واردات السلع والخدمات، بعد أن كانت النسبة تفوق عاماً كاملاً قبل سنوات. وتوقع أن يتحسّن الوضع النقدي في المغرب في الربع الأول من العام المقبل بعد تلقّي تدفقات مالية بنحو 3 بلايين دولار إضافية، عبر اقتراض خارجي سيادي بنحو بليون دولار من مصارف دولية، واستكمال تسوية بيع حصص «الشركة الوطنية للاستثمار» (سي أن إي) في شركتي «مركزية الحليب» و «لوسيور» للزيوت الغذائية، التي تملكتها مجموعة فرنسية، إضافة إلى توقّع تنفيذ بعض المشاريع الممولة من دول مجلس التعاون الخليجي التي وافقت على منح الرباط خمسة بلايين دولار، في إطار اتفاق شراكة إستراتيجية. وكان الاقتصاد المغربي تضرر من انعكاس الأزمة الاقتصادية في دول الاتحاد الأوروبي، إذ تراجع النمو لدى معظم شركاء المغرب الأوروبيين، ويتوقع أن يستمر الركود في تلك الاقتصادات طيلة العام المقبل، قبل أن ينفرج في عام 2014. ومن مضاعفات هذه الأوضاع تراجع تحويلات المغتربين والسياح الأوروبيين إلى البلاد، وتراجع الاستثمارات الخارجية التي كانت عائداتها في السابق تموّل عجز الميزان التجاري الذي ارتفع إلى 19 بليون دولار. ولمواجهة عجز الخزانة، تضمنت الموازنة الجديدة إجراءات ضريبية اعتبرتها المعارضة النيابية «غير ناجعة» وتضر بمصالح الطبقات الوسطى وتعرقل خطط التوسع بالنسبة للشركات الاستثمارية. وقال رئيس «فريق الأصالة والمعاصرة» المعارض عبد اللطيف وهبي، إن القانون المالي يخلو من أي إستراتيجية واضحة لمعالجة الخلل الاقتصادي والاجتماعي، إذ ارتكز على إجراءات ضريبية لتمويل بعض النفقات الحكومية لحسابات سياسية محضة، في إشارة إلى الضرائب التي تعتزم الحكومة تطبيقها على الفئات التي يزيد دخلها السنوي على 300 ألف درهم، بهدف جمع مبالغ بقيمة بليوني درهم واستخدامها في تمويل نفقات «صندوق التماسك الاجتماعي». وانتقدت المعارضة عدم إشراكها في صياغة عدد من التدابير المالية، التي اعتبرتها «لأغراض حسابية بغية تحقيق بعض التوازن المالي وليس خطة عمل لتحيق نمو اقتصادي مستدام». ويتوقع أن تحصل الخزانة من تلك التدابير على تمويلات إضافية بقيمة 9 بلايين درهم. وأكدت مصادر مالية ل «الحياة»، أنها تعتزم تنظيم ندوة حول الضرائب في شباط (فبراير) المقبل لبحث الصيغ الأنسب لمعالجة مشكلة الجبايات، وإشراك الأطراف كافة في إقرار التدابير المستقبلية، بما فيها خفض بعض الضرائب على الأفراد والشركات، وإقرار أخرى على قطاعات غير مهيكلة، تقدر بنحو 20 في المئة من مجموع النشاط الاقتصادي. يذكر أن الحكومة قد تواجه صعوبات في إقرار موازنة العام المقبل في مجلس المستشارين، الذي لا تملك فيه غالبية كافية، لكن الكلمة الأخيرة ستكون لمجلس النواب الذي سيعود إليه المشروع نهاية كانون الأول (ديسمبر) المقبل في قراءة ثانية، وفقاً للدستور الجديد.