استهل مهرجان تورونتو السينمائي الدولي، دورته التاسعة والثلاثين (بدأت في 4 ايلول – سبتمبر الجاري وتنتهي في 14 منه)، بعرض فيلم «القاضي» من اخراج ديفيد دوبكين وبطولة روبرت داونى جونيور، وروبرت دوفال. وقبيل ساعات على انطلاقه، احتشدت جموع غفيرة لرؤية النجوم المشاركين والتقاط الصور التذكارية اثناء سيرهم على السجاد الأحمر. يشتمل المهرجان في دورة هذا العام على 285 فيلماً طويلاً، و108 أفلام قصيرة تجمع الوثائقي والدرامي والعلمي والكوميدي والعاطفي وغيره، وتمثل مختلف ثقافات العالم وفنونها السينمائية. ويرى المراقبون الكنديون ان المنافسة ستشتد بين اقوى عشرة افلام عالمية قد يكون اكثر من واحد منها مرشحاً للفوز بجائزة اوسكار. ويعتبر هذا المهرجان عادة، نقطة استقطاب عريقة لعدد كبير من النجوم والمخرجين وشركات الانتاج والتوزيع وصناع السينما. وتختتم فعالياته بالفيلم البريطاني «فوضى صغيرة» للمخرج الممثل آلان ريكمان. حضور مشرقي وتشارك في مهرجان هذا العام عشرة افلام عربية يعرض بعضها للمرة الاولى على شاشات عالمية. وتستحضر هذه البانوراما، على وفرتها، من الروائي والوثائقي، والطويل والقصير، والمموّل عربياً أو المنتج بشراكة عربية اجنبية، بلدان المشرق العربي باستثناء مصر، ام السينما العربية، التي يبقى غيابها عن المهرجانات الدولية علامة سلبية فارقة. والملاحظ ان الفن السابع العربي بدأ يكشف، بجرأة كبيرة، عما تعانيه المنطقة العربية من حال التشرذم والتخلف والانهيار والفوضى والحروب الاهلية العبثية، وتعاقب الأزمات السياسية والتناقضات الاجتماعية والاقتصادية والانهيارات الامنية المتنقلة. في هذا السياق يجدر التنويه ببعض المؤسسات المالية العربية وتحديداً «صندوق سند» الاماراتي الذي أخذ على عاتقه تشجيع المواهب الصاعدة، وتمويل اعمالها السينمائية التي تمثلت في مهرجان تورونتو بأربعة افلام بينها «الوادي» للمخرج اللبناني غسان سلهب الذي يسلط الضوء على آفة المخدرات (زراعة وصناعة وتجارة وضحايا) ضمن فئة «سينما معاصرة من العالم». وتدور أحداثه حول رجل يتعرض لحادث سير في منطقة البقاع ويفقد ذاكرته، فيقع في قبضة عصابة تصنع المخدرات في احدى المزارع النائية. وفي المثلث الاردني العراقي الفلسطيني يكشف فيلم «ذيب» الطويل للمخرج الاردني ناجي ابو نوار والمصنف ضمن فئة «اكتشافات»، بعض ما كان يجري في شبه الجزيرة العربية عام 1916 على يد الاحتلال الانكليزي في بعض المناطق التابعة للسطنة العثمانية من تأليب القبائل العربية على بعضها البعض وسلوكه سياسة فرق تسد. هذا النهج الاستعماري يجد صداه في فيلم «الاوذيسا العراقية «للمخرج العراقي السويسري سمير والذي يعرض في اطار «وثائقيات». وهو تجربة جديدة ومغامرة مصورة بصيغة الابعاد الثلاث. ويتحدث عن هجرة العديد من افراد وعائلات الطبقة الوسطى التي ازهق الاحتلال البريطاني احلامها بفعل ممارساته الدكتاتورية. وامتداداً لسياسات الاحتلال، يلقي الوثائقي «المظلومون 18» وهو فيلم رسوم متحركة من اخراج مشترك بين الفلسطيني عامر الشوملي والكندي بول كوان، الضوء على حقبة الانتفاضة الفلسطينية الاولى وملاحقة الجيش الاسرائيلي لثماني عشرة بقرة لاعتقاده ان انتاجها من الحليب يباع دعماً لمجهود المقاومة ويهدد الامن القومي الاسرائيلي ومشاريعه الاستيطانية. اما الوجه العنصري للاحتلال الاسرائيلي فيتحدث عنه فيلم «فيلا توما» الروائي الجديد للمخرجة الفلسطينية سهى عراف. تشترك في ادوار هذا العمل اربع نساء (فيوليت وجولييت وأنطوانيت وبديعة). ويتناول عائلة فلسطينية مسيحية متمسكة بأرضها وحقوقها التاريخية. ووسط تفاعلات درامية، تطرح المخرجة بعضاً من جوانب الحياة الاجتماعية للفلسطينيين المسيحيين المقيمن في الضفة الغربية، مثل قضية الزواج المتأخر والتفاوت الطبقي والزواج المختلط. وفي سياق الاحتلال ايضاً، يعرض فيلم «اطار الليل» من فئة «اكتشافات». وهو إنتاج مغربي - قطري - فرنسي - بريطاني مشترك، ويعدّ أول فيلم روائي طويل للسينمائية المغربية والخبيرة في الفنون البصرية تالا حديد. تجري احداثه في زمن الاستعمار الفرنسي. وتسجل خلاله نماذج من البطولة والصمود وانجازات كبرى لحركات التحرر الوطني. نبي جبران وبعيداً من مجمل تلك السياقات، يعرض فيلم «النبي» من انتاج كندي - فرنسي - لبناني - قطري - أميركي مشترك، وهو مقتبس عن رواية الكاتب اللبناني جبران خليل جبران. وقام بإخراجه تسعة خبراء عالميين متخصصين في فنون الرسوم المتحركة، منهم محمد سعيد حرب الذي قام بإخراج فصل «الخير والشر». ويحمل هذا العمل الابداعي من الادب الكلاسيكي ابعاد المنظور الشرقي والغربي للمفايم والافكار والقيم الفلسفية المتعلقة بالدين والحياة والاخلاق والموت والحب والجمال. في أول مشاركة للسودان في هذا المهرجان، يروي «ايقاع الانطونوف» (وهي طائرة روسية الصنع كانت تستخدم ابان الحرب الاهلية بين ولايتي كردفان وجنوب النيل الازرق في السودان) ،-65 دقيقة، للمخرج السوداني حاجوج كوكا-، معاناة المدنيين السودانيين جراء انقساماتهم العرقية والثقافية. ويركز على اعادة التمسك بالهوية والانتماء كسبيل للعيش بسلام ووئام واستقرار. اما «حورية وعين» وهو فيلم قصير، يعتبر باكورة أفلام المخرجة السعودية شهد امين، ففيلم وعظي يحث على فضيلة العمل، بمعنى ان الحصول على الاشياء الثمينة في الحياة لا تأتي من لا شيء، وانما بالجهد والعمل والمثابرة.