لا تزال قضية تدشين صالون نسائي في نادي جدة الأدبي تتفاعل في المشهد الثقافي، ويتعاطى معها العديد من المثقفين من مدينة جدة وخارجها، باعتبار التدشين رداً ثقافياً عما سبق أن أنجزه النادي من خطوات مهمة في هذا الاتجاه. وشهدت القضية توسعاً، إذ لم يعد الأمر يخص نادي جدة ولا مثقفي هذه المدينة، إنما يخص المشهد الثقافي في أية مدينة يوجد بها ناد أدبي. وأثار تعليق الدكتورة لمياء باعشن على القضية نفسها، ورد المشرفة على الصالون نبيلة محجوب المنشوران في «الحياة» سجالاً بين المثقفين. إذ قالت الشاعرة والكاتبة بديعة كشغري، معلقة في موقع «الحياة» الإلكتروني على مقالة نبيلة محجوب، التي جاءت رداً على مقالة لمياء باعشن: «مقالة جيدة وتحليل صائب لذاك الصراع في مشهدنا الثقافي، والذي مرده تلك «النظرة المتعالية»، بل الرؤية الاحتكارية – لاسيما - لمن أشارت إليهم الكاتبة القديرة نبيلة محجوب ب«الحرس القديم» في نادي جدة الأدبي»، فيما اعتبرت سمر الشيخ أنه لهذا السبب «الواقع الثقافي مشرذم، لأن الرؤية الاحتكارية والمتعالية مكرّسة». وقال الدكتور حسن النعمي إلى «الحياة»: «اعتاد نادي جدة الأدبي في السنوات الأخيرة على تمكين النساء من حضور كل الفعاليات، من دون تمييز بين الفئات المختلفة، وقاوم النادي، خصوصاً في الإدارة السابقة، رغبة قلة من السيدات في الانفراد ببرنامج خاص لا تحضره سوى النساء، ونجح النادي في تجاوز هذا الإلحاح»، مشيراً إلى أن الإدارة الحالية «قدمت الفرصة لبعض السيدات للعمل الثقافي بمفردهن بعيداً عن مشاركة الرجل». وأوضح النعمي أن الثقافة بهذا المعنى «تصبح فئوية، وهو ما يجب ألا يكون في النادي، لأن النادي منبر للجميع حضوراً ومشاركة»، وقال: «أبديت رأيي أكثر من مرة، أنا ضد هذا الفصل الثقافي، وعارضت الفكرة عندما كنت عضواً في المجلس السابق. وفي ظل الإدارة الحالية عارضت الفكرة، وأبديت رأيي في أكثر من مناسبة، مرة في الجمعية العمومية، وفي مرات أخرى أثرت الموضوع مع رئيس النادي الدكتور عبدالله السلمي. والقضية أن النادي مؤسسة للجميع، ويجب ألا تكون هناك حواجز ثقافية بين المثقفين. فلو قرر أحد المثقفين حضور أي منشط في النادي، فمن حقه، بعيداً عن كل الاعتبارات أن يكون جزءاً من هذا المنشط، طالما أنه يقام في النادي». وقالت الشاعرة والإعلامية حليمة مظفر: «مع احترامي الشديد للقائمات على هذا الصالون النسائي، إلا أنه يمثل تراجعاً ثقافياً وأدبياً للنادي ولدور المرأة الثقافي في النادي الأدبي في جدة»، مشيرة إلى أنها كانت من المعترضات على هذا المشروع أثناء اجتماع الجمعية العمومية للنادي لوضع خطة الموسم الجديد، «وللأسف قلت رأيي بأن يطرح رئيس النادي المشروع للتصويت أثناء اجتماع الجمعية، إذ كان هناك الكثير ممن كانوا معترضين، ولرؤيتهم أنه لا يمثل خطوة إلى الأمام، بل خطوات إلى الوراء! ولكن لا أعرف كيف تم الالتفاف على مسألة التصويت أثناء الاجتماع بحجة ضيق الوقت! وفي ما يبدو أن دعم أعضاء النادي ل«الصالون النسائي» جاء لمجاملة مجموعة من عضوات الجمعية العمومية، لكن للأسف مجاملة أدت بالنادي إلى التراجع، خصوصاً أن الذين يعملون اليوم في مجلس الإدارة معظمهم لم يكونوا موجودين خلال السنوات العشر الماضية من تاريخ النادي، ولم يكونوا حتى يحضروا فعالياته أو يعرفوا حجم الإنجاز الذي أسسه الأستاذ عبدالفتاح أبو مدين منذ كانت الصالة النسائية خلفية للنادي، وأتاح للمرأة مشاركة فاعلة، ثم أكمل هذا الدور أعضاء النادي المعينون، وكنت ضمن اللجنة النسائية، وكم عانينا لكي نتقدم بمشاركة المرأة، لتكون فاعلة وحاضرة بصوتها وعقلها في فعاليات النادي، وعموماً هذا أمر متوقع لمن لم يكن يعرف عن النادي شيئاً، وجاءت به الأصوات وفق تكتلات مُخطط لها، لكنني أتمنى أن يعرفوا أن ما يسمى بالصالون النسائي محله ليس نادياً أدبياً ثقافياً، بل محله منازل النساء». وأوضحت حليمة مظفر أنه «لا يمكن تجزئة الثقافة إلى امرأة ورجل، إن الثقافة إنسان رجل وامرأة معاً، ولن تنمو أو تتطور التجربة الثقافية المحلية إلا بهما معاً، وربما أكبر وأبرز سبب على تأخر التجربة الثقافية في المنابر الثقافية للمرأة هو انفصالها عن هذا التبادل الفكري المشترك لفترات طويلة سابقة، والنتيجة ما نراه الآن، قلة حضور المثقفات على المنابر الثقافية وإن حضر بعضهن، فهو حضور هش ومتواضع مع الأسف الشديد». وقالت القاصة والمترجمة منى العبدلي: «إذا كانت هذه الصالونات بإدارة مستقلة ومبنى مستقل وجدول أنشطة لا يتعارض مع أنشطة النادي، فلا بأس بها، على أن تمنح فترة من الزمن لقياس مدى نجاحها قبل الحكم عليها، وفي ما عدا ذلك فإن وجود صالون نسائي بإدارته داخل أروقة النادي، أمر عديم الجدوى ويتعارض القرارات والأنشطة، وسيلغى منها الكثير على حساب الآخر، كما ستضيع الجهود لمحاولة صنع توافق بين إدارتين في مكان واحد. ومثلها تجربة اللجان النسائية التي لم يطل عمرها لأسباب معروفة ومكرورة أُشبعت حديثاً، ولم تصل لحل حتى الآن»، مشيرة إلى أنها ضد التقسيم والتصنيف، «فالثقافة لا تفرق بين رجل وامرأة، والنوادي الأدبية مؤسسات تُعنى بها، على افتراض أنها تمارس دورها الثقافي، من دون أن تميز بين مثقف ومثقفة».