مطلع الشهر الماضي عقد شاوول موفاز، رئيس حزب «كاديما» وزعيم المعارضة في الكنيست الاسرائيلي، مؤتمراً صحافياً اتهم فيه بنيامين نتانياهو بتعريض البلاد لخطر حرب إقليمية. ورفع موفاز أمام الإعلاميين يافطة رُسِمت عليها صورة انفجار قنبلة ذرية كالصورة التقليدية التي ترمز الى قنبلة هيروشيما. وقال إن أنصاره ألصقوا عشرات اليافطات على حافلات نقل الركاب، لعل المواطنين يتنبهون الى الأخطار المحدقة بهم. وكان من الطبيعي أن يطرح المؤتمر الصحافي الذي عقده وزير الدفاع السابق الكثير من الأسئلة المتعلقة بطبيعة الخطر الذي أشار اليه. والخطر، على ما كشفت تفاصيله الصحف المحلية، يشير الى تدريب وحدة خاصة على مهاجمة مصنع تخصيب اليورانيوم في منشآة «فوردو» الايرانية المبنية تحت الأرض قرب مدينة قم. وفي تصريح يعزز هذ الخيار، قال دان هالوتس رئيس الأركان الاسرائيلي السابق، إن نتانياهو يخطط لإرسال سرب من الطائرات بهدف تدمير المنشأة. وهو عازم، مع وزير الدفاع ايهود باراك، على تزويد الطائرات برؤوس نووية تكتيكية تكون معدّة لتحقيق هذه المهمة. الإدارة الاميركية أرسلت مايكل مالن، رئيس هيئة الأركان، من أجل إقناع نتانياهو بأهمية الدور الذي تقوم به واشنطن تجاه اسرائيل. واعترف بأن الرئيس اوباما أرسله خصيصاً للتأكد من أن القيادة الاسرائيلية لا تخطط للقيام بضربة استباقية للمواقع النووية في ايران. وحذر من خطورة نتائج تلك المغامرة العسكرية لأنها ستنسف كل الجهود الرامية الى تشكيل جبهة دولية تتولى فرض العقوبات الاقتصادية على طهران. القيادة الايرانية لم تطمئن الى قرار تأجيل الضربة، واعتبرت أن الولاياتالمتحدة تتآمر مع اسرائيل، لاختيار توقيت مناسب لشن هجوم مشترك. لذلك قررت تحصين دفاعاتها البديلة في المواقع المتقدمة التي أنشأتها في لبنان بواسطة «حزب الله»... وفي غزة بواسطة «حماس» و «الجهاد الإسلامي». يوم 23 من الشهر الماضي، قامت أربع طائرات اسرائيلية بضرب «مصنع اليرموك» في السودان لأن «الموساد» اكتشف الممرات التي تستخدمها «حماس» لنقل الصواريخ المرسلة من ايران الى غزة. ويرى الخبراء أن ايران تملك صناعة صاروخية متقدمة جداً، باشرت في إنتاجها عقب انتهاء حربها مع العراق. وقبل عشر سنوات وضع «الحرس الثوري» في الخدمة صواريخ «شهاب 3» المماثلة لنموذج «نودونغ» الكوري الشمالي، ويبلغ مداها 1500 كلم. وبعد فترة قصيرة أجرت وزارة الدفاع الايرانية اختباراً لصواريخ «شهاب-3» التي تغطي دائرة الشرق الأوسط كلها. بعد اغتيال أحمد الجعبري، رئيس الذراع العسكرية لمنظمة «حماس»، أطلق المقاتلون من غزة صواريخ سقطت في منطقتي تل أبيب والقدس. وقد أحدثت بلبلة وذعراً بين السكان كونها المرة الثانية التي يصل فيها سلاح العرب الى هذا المدى منذ صواريخ العراق عام 1991. وعلى الفور أمر وزير الدفاع ايهود باراك بضرورة زيادة عدد بطاريات «القبة الحديد» من أجل التصدي لصواريخ «فجر-5» وتفجيرها قبل بلوغ الهدف. عقب الاتهامات التي صدرت عن اسرائيل بأن ايران تزود «حماس» و «الجهاد الإسلامي» بصواريخ متطورة، أعلن وزير الدفاع الايراني أحمد وحيدي أن المقاومة في غزة قادرة على إنتاج الأسلحة التي تحتاجها. وكان بهذا التعليق يلمح الى الخبرة التقنية التي كسبتها العناصر المقاتلة داخل قطاع غزة، الأمر الذي شجعها على تحسين الصناعة المحلية. ولكن هذا لم يمنع وزير الخارجية علي أكبر صالحي من الاتصال بأمين حركة «الجهاد الإسلامي» رمضان شلح وبرئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» خالد مشعل، للإعراب عن دعم بلاده للمقاومة الفلسطينية في مواجهة اعتداءات النظام الصهيوني. تدعي الصحف الاسرائيلية أن «حماس» نجحت في تعطيل خطة ضرب ايران التي مهد لها نتانياهو مع حليفه زعيم حزب «اسرائيل بيتنا» افيغدور ليبرمان. وعليه قرر خوض معركة انتخابية مبكرة (22 كانون الثاني / يناير 2013) يحصل في نهايتها على تفويض شعبي يوظفه لضرب المفاعل الايراني، تماماً مثلما وظف مناحيم بيغن انتخابات 1981 لضرب المفاعل النووي العراقي. وبالمقارنة مع حرب تموز 2006، زعمت «هآرتس» ان اسرائيل كانت تستعد لتوجيه ضربة الى المفاعلات الايرانية عندما دخل عماد مغنية على الخط لينسف العملية الاسرائيلية برمتها. ومغنية كان المسؤول العسكري في «حزب الله»، ومن أقرب المقربين والمؤثرين لدى القيادة الايرانية. واعتبرت عملية خطف الجنود الاسرائيليين المدخل الذي ألغى الضربة المقررة، وحقق انتصار «حزب الله» على جيش دفاع العدو. كتب المعلق بن كاسبيت في صحيفة «معاريف» نقلاً عن مصادر سياسية، أن ثمانية من أصل 14 وزيراً في المجلس الأمني المصغر يؤيدون توجيه ضربة وقائية للمنشآت النووية الايرانية حتى من دون موافقة اميركية. وقال رئيس منظمة التوجيه العقائدي في وزارة الدفاع الايرانية جمال الدين مير محمدي إن بلاده أخرجت الشرق الأوسط من هيمنة الاستكبار الغربي، وأن الثورة الإسلامية أفشلت كل مخططات الصهيونية. واستناداً الى هذه الخلفية، تقول الحكومة الاسرائيلية إن اغتيال أحمد الجعبري تم لسببين: السبب الأمني المتعلق بإطلاق الصواريخ على المدن والمستوطنات داخل اسرائيل... والسبب السياسي المتعلق بنسف خطة ضرب المفاعلات النووية الايرانية من طريق توريط الجيش الاسرائيلي بمعارك جوية وبرية وبحرية. وبما أن نتانياهو يعتبر المشروع النووي الايراني خطراً وجودياً على مستقبل بلاده، فقد غامر أيضاً باحتمال نسف إتفاقية كامب ديفيد (عام 1979) مع مصر، في حال استمر في عمليات التقتيل والتدمير. وقد بررها بالادعاءات أنها مورست في ظل سياسة الدفاع عن النفس. وعندما كرر رئيس وزراء اسرائيل هذه العبارة أثناء اجتماعه بوزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون ذكرته بأن عملية «الرصاص المصبوب» عام 2008 أفرزت عملية «عمود السحاب» لأنها تجاهلت قضية السلام مع الفلسطينيين. وهذا ما ركزت عليه كلينتون أثناء اجتماعها بالرئيس المصري محمد مرسي. بل هذا ما شدد عليه أمين عام الأممالمتحدة بان كي مون خلال زيارته لغزة. صباح الثلثاء الماضي، أعلن في غزة القبول بوقف إطلاق الصواريخ، وذلك مقابل طلب توجهت به القاهرة وقبلته تل أبيب. ثم تبين أن الخبر عارٍ عن الصحة، وأن نتانياهو ينتظر مجيء هيلاري كلينتون كي يعلن وقف إطلاق النار تلبية لرغبتها وبناء على ضمانات الإدارة التي أرسلتها. وحدث أثناء وجودها في رام الله أن انفجرت قنبلة في الساحة المحاذية لوزارة الدفاع داخل تل أبيب، الأمر الذي دفعها الى استعجال السفر الى القاهرة. يقول وزير الدفاع الاسرائيلي ايهود باراك إنه تم تعيين اللواء أفيف كوخافي رئيساً لمنظمة «أمان»، كونه عالج سابقاً الأوضاع الأمنية في غزة. وصرف أكثر من سنتين في رصد تحركات زعماء «حماس» و «الجهاد الإسلامي»، قبل أن يكتشف مخابئ مستودعات القذائف الصاروخية ومنصات إطلاقها. وهو يزعم أن الجيش نجح في تدمير نصف الترسانة الصاروخية التي تملكها «حماس»، ولكنه يخشى وصول كميات جديدة عبر الأنفاق المتصلة بمصر. ومن المؤكد أن قنبلة تل أبيب زادته قناعة بوجود هذا الاحتمال. وربما أرجع الرئيس محمود عباس سبب إلقاء القنبلة الى دوافع عدة أهمها: سحب حقوق الإقامة من ربع مليون فلسطيني بين عامي 1967 و 1994. كما سحب جيش الاحتلال خلال هذه المدة حق المواطنية من مئة ألف فلسطيني من قطاع غزة غادروا ولم يُسمح لهم بالعودة كونهم أمضوا سبع سنوات خارج القطاع. في مناسبة إحياء الذكرى 64 لنكبة فلسطين، تعهد وزير الدفاع ايهود باراك بأنه لن تكون هناك دولة ما بين نهر الأردن والبحر المتوسط سوى دولة اسرائيل. وكان بذلك التعهد يشير الى رفضه فكرة إقامة دولة فلسطينية مستقلة في حدود عام 1967. واللافت أن هذا الموقف يخالف موقفه عام ألفين خلال مفاوضات «كامب ديفيد» يوم وافق على تسليم غالبية أراضي الضفة الغربية الى ياسر عرفات. والجدير ذكره أنه في 27 كانون الأول (ديسمبر) عام 2008 أعلن وزير الدفاع في حكومة ايهود اولمرت، أي ايهود باراك، بدء حملة «الرصاص المصبوب.» وقال في حينه إن الحملة تشكل ضربة قاضية ل «حماس». وبعد انقضاء أربع سنوات يعود باراك ليبدأ حرباً في غزة، تكون فيها «حماس» العدو الأول. أهل غزة غير مطمئنين الى نتائج المفاوضات بين الرئيس محمد مرسي وهيلاري كلينتون. والسبب أن القاهرة لم تعد الجهة المركزية القادرة على تحقيق وقف إطلاق النار، خصوصاً أنها مضطرة الى مراعاة الشارع المصري الغاضب والمطالب بقطع العلاقات الديبلوماسية مع اسرائيل. يُضاف الى هذا المعطى، أن الأيام السبعة الماضية غيرت صورة غزة بعد اغتيال الجعبري. صحيح أنه تم تعيين مروان عيسى خلفاً له في رئاسة العمل العسكري... ولكن الصحيح أيضاً أن الحرب المدمرة أفرزت قوى أخرى تابعة لمنظمات صغيرة. كما أعطت «الجهاد الإسلامي» فرصة الريادة وسط أحزاب سلفية متطرفة لا تقبل بأقل من القتال المتواصل ضد اسرائيل. تقول صحيفة «نيويورك تايمز» إن مصلحة اسرائيل في مرحلة التهدئة أن تنقل ثقل الأحداث الى الأردن ولبنان، وقد استغل «الأخوان المسلمون» في عمّان الأجواء المناهضة لإسرائيل بهدف إحراج الحكومة وإخراج الآلاف الى الشوارع للتظاهر تضامناً مع «حماس». بقي أن ينتظر لبنان الموقف النهائي للنظام السوري من المعارضة التي تغذيها تركيا ودول الاتحاد الأوروبي، كي يعرف المسار الذي سيتوجه منه الى المجهول... * كاتب وصحافي لبناني