أصدر الرئيس المصري محمد مرسي إعلاناً دستورياً جديداً أطاح بمقتضاه النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود، كما قرر إعادة التحقيقات والمحاكمات التي جرت في حق رموز نظام الرئيس السابق حسني مبارك، وحصّن مجلس الشورى (الغرفة الثانية في البرلمان) ضد الطعن فيها، وفعّل الأمر نفسه مع الجمعية التأسيسية وإن أفسح لها مزيداً من الوقت لإنهاء مناقشتها حول الدستور. وبعد طول انتظار خرج الناطق الرسمي باسم الرئاسة ياسر علي ليعلن أن مرسي أصدر إعلاناً دستورياً جديداً يتضمن إعادة المحاكمات في جرائم قتل المتظاهرين والإرهاب التي ارتكبت ضد الثوار، ضد كل من تولى منصباً تنفيذياً وسياسياً في ظل النظام السابق، وهو مطلب رئيس للقوى الثورية في مصر، وإن كان لم يشمل القرار رموز المجلس العسكري والذي تطالب قوى ثورية بمحاكمتهم على أحداث العنف التي وقعت بعد سقوط النظام السابق. كما تضمن الإعلان الدستوري الجديد النص على أن «يعين النائب العام من بين أعضاء السلطة القضائية بواسطة الرئيس، تبدأ من تاريخ تولي المنصب، ويسري النص على من يشغل المنصب الحالي بأثر رجعي»، ما يعني الإطاحة بالمستشار عبدالمجيد محمود بعدما فشل مرسي قبل نحو شهر في إبعاده من منصبه بتعيينه سفيراً للفاتيكان. وأصدر مرسي قراراً أمس بتعيين المستشار طلعت إبراهيم عبدالله نائباً عاماً ليخلف محمود. وأقسم المستشار عبدالله اليمين أمام رئيس الجمهورية مساء. وحصّن مرسي قراراته ضد الطعن عليها أمام أي محكمة قضائية في مصر، إذ تضمن الإعلان الدستوري النص على أن «الإعلانات الدستورية والقوانين الصادرة عن الرئيس منذ توليه السلطة وحتى نفاذ الدستور الجديد، نهائية ونافذة بذاتها، غير قابلة للطعن أمام أي جهة»، وأن «تنقضي جميع الدعاوى المتعلقة بها المنظورة أمام أي جهة قضائية»، في إشارة إلى دعاوى قضائية تنظرها المحكمة الدستورية العليا ضد الإعلان الدستوري الذي كان أعلنه مرسي في آب (أغسطس) الماضي وأطاح بمقتضاه قادة المجلس العسكري السابق. وتضمن الإعلان الدستوري الجديد أيضاً أنه «لا يجوز لأي جهة قضائية» حل مجلس الشورى أو الجمعية التأسيسية لوضع مشروع الدستور، علماً أن المحكمة الدستورية العليا كان من المفترض أن تفصل في الثاني من الشهر المقبل في مصير دعاوى قضائية تطالب بحل «الشورى» و «التأسيسية». وفي هذا الإطار منح مرسي التأسيسية مهلة شهرين لإنهاء مناقشات كتابة الدستور بعدما عدل في نص المادة الخاصة بتشكيل الجمعية التأسيسية من أن «تتولى إعداد مشروع جديد للبلاد في مدة 4 أشهر من تاريخ تشكيلها» إلى أن «تتولى إعداد مشروع دستور جديد للبلاد في موعد غايته 6 أشهر من تاريخ تشكيلها». كما منح مرسي لنفسه الحق في إعلان حال الطوارئ في البلاد عندما نص الإعلان الدستوري على أن «لرئيس الجمهورية، إذا قام خطر يهدد الثورة أو الأمة أو الوحدة الوطنية أو سلامة الوطن، اتخاذ التدابير لمواجهته». وبث التلفزيون المصري لقطات مسجلة لأداء النائب العام الجديد اليمن الدستورية، كما عقد مرسي معه جلسة للنقاش. وكان طلعت إبراهيم عبدالله (54 سنة) منتدباً إلى دولة الكويت. وجاءت قرارات مرسي في وقت استمرت الاشتباكات بين قوات الشرطة والمتظاهرين في محيط ميدان التحرير في القاهرة لليوم الرابع على التوالي. وفيما حمَّلت قوى ثورية عدة مرسي المسؤولية عن أحداث محمد محمود الجديدة التي ارتفع عدد المصابين فيها إلى أكثر من 150، طالبت جماعة «الإخوان المسلمين» الرئيس بإصدار أوامر إلى الشرطة باعتقال المتظاهرين في محيط ميدان التحرير بعدما اتضح أنهم «يستهدفون تخريب الدولة وإسقاطها»، بحسب الناطق باسم الجماعة الدكتور محمود غزلان. واستنفرت قوى ثورية لحشد الجماهير في ميدان التحرير اليوم في مليونية «عيون الحرية»، في حين عقدت تيارات إسلامية رئيسية من بينها «الدعوة السلفية» و «الجماعة الإسلامية» اجتماعاً مساء في القاهرة لبحث مواجهة الموقف المتفجر، خصوصاً بعد استهداف مقرات لجماعة «الإخوان المسلمين»، إذ ألقى مجهول قنبلة مولوتوف على مقرها في ضاحية 6 أكتوبر على أطراف القاهرة، فيما تحدثت تقارير صحافية محلية عن حصار لمقرات الجماعة ومهاجمتها في محافظات أخرى. وتظاهر العشرات أمام منزل مرسي في محافظة الشرقية، وظلوا يهتفون «يسقط يسقط حكم المرشد» و «افرح افرح يا مبارك... مرسي بيكمل مشوارك». ووقعت اشتباكات متواصلة مساء أول من أمس في شارع محمد محمود وفي مدخل شارع قصر العيني وشارع الشيخ ريحان وشوارع جانبية عدة، وتحوّل محيط ميدان التحرير إلى ساحة كر وفر. وتقدم المتظاهرون في شارع قصر العيني حتى أسوار البرلمان، وأطلقت قوات الشرطة وابلاً من القنابل المسيلة للدموع لتفريقهم وطاردتهم حتى ميدان التحرير. وظلت مدرعتان للشرطة تجوبان الميدان حتى صباح أمس لطرد المتظاهرين منه، إلا أن هؤلاء تجمعوا عند مدخل شارع محمد محمود. ودارت معركة عنيفة بين المتظاهرين والشرطة للسيطرة على مدرسة «ليسيه الحرية» الفرنسية التي اعتلت قوات الأمن المركزي أسطح بنايتها للتصدي للمتظاهرين الذي سعوا إلى السيطرة عليها بعدما حطموا واجهتها وجزءاً من بوابتها الرئيسية في محاولة لطرد الشرطة منها. وأمام شدة هجوم المتظاهرين اضطرت قوات الشرطة إلى إطلاق الرصاص في الهواء لتفريقهم بعدما كادوا يصلون إلى فناء المدرسة، واستعادت الشرطة السيطرة عليها. ونظّم عشرات الشباب مسيرة سموها «ليسيه الحرية مش ثكنة عسكرية» تنديداً باستخدام الشرطة المنشآت التعليمية في المواجهات وبالتالي تعريضها للخطر. وخفضت قوات الشرطة أعداد قواتها المتمركزة خلف الحاجز الخرساني في شارع الشيخ ريحان، واعتمدت على عشرات الجنود الذين تصدوا لصبية وشباب كانوا يتجمعون في موقع قريب. وكثّفت الشرطة أيضاً من وجودها أمام مقري الحكومة والبرلمان، وكذلك أمام مكتبة الجامعة الأميركية في منتصف شارع محمد محمود لمنع المتظاهرين من الوصول إلى مقر الحكومة. وقال الناطق باسم جماعة «الإخوان» الدكتور محمود غزلان ل «الحياة» إن إنهاء الوضع الحالي يتطلب تدخل الرئيس شخصياً، مشيراً إلى أن الإخوان لا يسعون إلى فتنة ولن ينجروا إليها عبر التظاهر في ميدان التحرير أو الحشد ضد المجتمعين هناك في مواجهة الشرطة «لكن هذا الوضع لا يمكن أن يستمر». ونفى غزلان ما تردد عن حشد الجماعة أنصارها للتظاهر، مشيراً إلى أن رؤية الجماعة لإنهاء الوضع المتأزم تتلخص في ضرورة تدخل الرئيس ومخاطبته للشعب واتخاذ قرارات جريئة لإنهاء الأزمة. وقال: «نرحب بالنقد والتظاهرات طالما جاءت في إطار القانون، لكن نرفض الاعتداء على الممتلكات من قبل مجموعات مسلحة بالقنابل والأسلحة البيضاء تسعى إلى التخريب، فلا الشعب ولا القانون ولا هيبة الدولة يقبل ذلك». وأضاف: «لقد مددنا في حبال الصبر كثيراً، ولا سبيل إلا استخدام القانون، وعلى الرئيس أن يأمر وزارة الداخلية بالقبض على مجموعات البلطجية في محمد محمود، وهو أمر الشرطة قادرة على تنفيذه». واعتبر أن «بعض الموجودين في شارع محمد محمود مستأجر ويتعاطى المخدرات ويتقاضى الأموال لمهاجمة الشرطة، وتقف وراءه رؤوس الثورة المضادة من أجل إسقاط النظام، وهذا أمر لا يمكن السماح به»، مشيراً إلى الدعوات لحرق مقرات «الإخوان» اليوم. وتساءل: «ما هدف هذه الدعوات سوى التخريب؟». وقال: «الأمر ينبغي أن يؤخذ بحزم، فالتساهل يضخم حجم هؤلاء البلطجية، وينعش الأمل لدى الفاسدين لإسقاط النظام». وقال غزلان: «كنا مجتمعين في الجمعية التأسيسية للدستور وتم حصارنا وبعض البلطجية اقتحم مجلس الشورى... هم يريدون وضع البلد في حال من الفراغ الدستوري بحيث يسهل توجيه السهام للرئيس مرسي الشخص الوحيد المنتخب... الوضع في غاية التوتر، ويستلزم وقفة حادة وحازمة». من جانبه، قال الناطق باسم حزب النور السلفي الدكتور يسري حماد إن الحزب شكّل وفداً ليلتقي القيادات الأمنية والمتجمعين في شارع محمد محمود تمهيداً لإطلاق مبادرة لعلاج الأزمة. وأضاف ل «الحياة»: «لا نوافق على الصدامات بين الشرطة والمتظاهرين، لكن الصورة قاتمة وغير واضحة، وإحياء ذكرى محمد محمود تذكرة ما كان ينبغي أن تتحول إلى صدامات». وعما إذا كان الحزب مستعداً للنزول إلى الشارع في حال تطور الموقف، قال حماد: «سنعلن مبادرة لحل الأزمة، ونرفض التجمعات بلا هدف أو معنى، وسنسعى إلى منع وقوع ضحايا جدد، وبعد ذلك ندرس الموقف بحسب المستجدات». من جانبه، قال الناطق باسم «الجماعة الإسلامية» الشيخ محمد حسان ل «الحياة» إن «البعض يسعى إلى إشعال البلاد وإفشال التجربة الديموقراطية والدخول في فراغ دستوري والعودة إلى حالة الثورة الأولى ونناشد الشباب الابتعاد عمن يحاولون تدمير مصر وإحراقها، وطالبنا الدولة بإجراءات حاسمة ضد المخربين». وأضاف: «حتى الآن لم نقرر النزول إلى الشارع، والقرار يرجع إلى الجماعة وقيادتها، لكن إذا ما استشعرنا خطراً حقيقياً على البلاد يستدعي التظاهر، سننزل إلى الشارع... لا نفكر في الوصول إلى هذه المرحلة لأنها قد تؤدي إلى مواجهات، ولكن لن نسمح بإسقاط الدولة، وفي الوقت نفسه نحن أبعد ما يكون عن فكرة إدخال البلد في حال من الفوضى ولن نقف مكتوفي الأيدي أمام هذه المحاولات».