رتب لي الصديق جمال المعيقل الأسبوع قبل الماضي لقاءً مع محافظ هيئة الاستثمار المعروفة اختصاراً ب «ساقيا»، المهندس عبداللطيف العثمان. والحقيقة أن ما شاهدته ولمسته ينبئ بالأفضل للهيئة. فالرجل مستمع جيد ويعمل بروح الفريق، ومكتبه مفتوح للجميع في كل وقت. وهذا ما عرفته من حديثي مع عدد من الموظفين قبل وبعد جلوسي معه لساعة ونصف الساعة تقريباً. وعلى رغم إلحاحي عليه للخروج بلقاء صحافي طويل، إلا أنه رفض محتجاً بأنه ما زال في البدايات، وما زال يتعلم ويتعرف على أشياء جديدة عن الهيئة والاستثمار، لاسيما وهو القادم إليها من بيئة عمل مختلفة لا تربطها بالعمل والبيروقراطية الحكومية أية صلة. وعلى رغم أن المجالس بالأمانات كما يقال، إلا أن ذلك لا يمنع من نشر بعض ما دار في لقائي بالعثمان، وبحضور نائبه الأمير سعود بن خالد الفيصل، وعدد من موظفي الهيئة. المحافظ أشار في حديثه إلى أن لدينا الآليات لمعالجة السلبيات من دون إضعاف مكتسباتنا أو التأثير في المستثمر الجاد. وبخصوص التراخيص التي تعطى للمستثمر الأجنبي أفاد بأنها تخضع للمراجعة والتقييم من قبل لجنة من ذوي الاختصاص وفق معايير محددة، وستركز الهيئة - والحديث للمحافظ - في تراخيصها المقبلة على المشاريع ذات القيمة المضافة للاقتصاد السعودي. وأوضح أن الهيئة وبالتعاون مع وزارة التجارة أسست مراكز خدمة موحدة للمستثمر السعودي، وتم افتتاح مركز في مقر وزارة التجارة في الرياض وفي جدة، والرغبة موجودة لدى جهات ووزارات عدة لتعزيز التجربة وتوفير مراكز نموذجية للمستثمر المحلي في مناطق المملكة كافة. المحافظ الجديد يرى أن الهيئة يجب أن تعمل مع ومن خلال الآخرين، وأن مهمة تمكين الاستثمارات تتطلب جهداً مشتركاً، وهو يقول إنه يريدنا أن نصفق ل «سابك» و«أرامكو» ووزارات الحكومة المختلفة، حينما تجذب استثمارات أجنبية، ويريد أن تسجل هذه الإنجازات للجهات المختلفة، التي تتعاون معها الهيئة، ولن تنجح - يقصد الهيئة - من دون تعاون وتضافر جهود هذه الجهات معه، لجذب استثمارات تحقق نقلة نوعية للمملكة من خلال نقل التقنية وتوظيف العمالة الوطنية في الاقتصاد السعودي. فهو على قناعة بأن الهيئة يجب أن تعمل مع الآخرين بروح فريق واحد، وإلا فلن تنجح بحسب ما قال. ولم يخفِ العثمان رغبة هيئته في تحسين بيئة الاستثمار للمستثمر المحلي، من خلال قيام الهيئة بتوفير المعلومات له عن الفرص الاستثمارية المتاحة، وتوفير الخدمات التي تعين على إنجاح مشروعه بتعاون ومشاركة الجهات الأخرى التي يرتبط عملها بالاستثمار بشكل أو بآخر. وعن المدن الاقتصادية، قال إن الهدف منها توفير مناطق اقتصادية تتمتع ببيئة استثمارية واجتماعية متكاملة، تعزز النشاط الاقتصادي خارج المناطق الرئيسة، وإن هيئته تعمل حالياً مع المطورين من القطاع الخاص لمعالجة التحديات القائمة بكامل الموضوعية والواقعية، والتعامل مع كل مدينة بحسب ما تحتاج، فهذه المشاريع التنموية لا بد أن تؤسس بأكمل وجه، وألا ينظر لها كاستثمارات عقارية بحتة قصيرة المدى. المحافظ كان يشير بين وقت وآخر إلى أن الهيئة خلال عملها في السنوات الماضية حققت مكاسب، ولم تسلم من الإخفاقات، وبالتالي فإن عليها تنمية هذه المكاسب، وألا يجعلنا النقد والهجوم نتراجع لنفقد المكاسب التي حققناها، ودورنا هو تنميتها، وإعادة ومراجعة أسباب الأخطاء والقصور التي وقعت لمعالجتها بهدوء ورويّة. سؤالي الأخير للمحافظ، هو عن عدم وجود استثمارات مميزة في قطاعات مثل الصحة والتعليم، من خلال وجود مستشفيات وجامعات أجنبية في المملكة. وأجاب بأن وزارة الصحة لها مبادرات جيدة في توطين الصناعات المرتبطة بالأجهزة والتقنية الطبية وتنمية الاستثمارات في هذا المجال، ويتطلع إلى العمل مع وزيرها ووزيري «التعليم» و«التعليم العالي» لتنمية الاستثمارات في هذه القطاعات الحيوية. ويعود المحافظ للتأكيد بأن من يفاوض ويجذب الاستثمارات هي الجهات الحكومية والشركات الكبيرة، ويبقى دور الهيئة في خلق مناخ الاستثمار ومسانداً لهذه الجهات، وما لم يتعاون الجميع معنا، فأصدقك القول، أننا لن نحقق شيئاً. ودعت المحافظ، وكلي أمل بلقائه بعد فترة من الزمن، وقد حقق كل ما يخطط له هو وفريقه الصغير في حجمه الكبير في طموحاته، وتركت له في مكتبه خالص الأمنيات والدعوات بالتوفيق والنجاح الكبير. * أكاديمي سعودي متخصص في الاقتصاد والمالية. ibnrubbiandr@