أضحت عبارة «بشار الأسد، أو لا أحد» المكتوبة بالطلاء الأسود عند مدخل الفوج 46 مبعثاً للسخرية لدى المقاتلين المعارضين، لأنهم أصبحوا هم أسياد هذه القاعدة التي تعد من أواخر مراكز قوة القوات النظامية في شمال غربي سورية. وبعد شهرين من الحصار و24 ساعة من القتال، تمكن المقاتلون من الاستيلاء في بداية هذا الأسبوع على هذا الموقع الاستراتيجي الواقع على الطريق إلى حلب، كبرى مدن شمال سورية. وبقيت جثث عناصر القوات النظامية المدماة مرمية بعد ثلاثة أيام إلى جانب المباني الموزعة على مساحة هذه القاعدة المترامية الأطراف والممتدة على مسافة ثلاثين هكتاراً من السهل الكئيب المليء بالحصى. وينشغل أسياد القاعدة الجدد في البناء المدمر للأركان الذي كان مقر القيادة العامة للقاعدة والذي غطى السواد أجزاء كبيرة منه بفعل ألسنة اللهب. كما انبعثت رائحة الجثث في الممرات التي لجأ إليها آخر المدافعين عن الثكنة وتناثرت على جدرانها بقع جافة من الدم. وتلقى جثث العناصر بعد أن يتم سحبهم من كواحلهم، في الجزء الخلفي من شاحنة حيث تغطى بأغطية متسخة. ويصرخ أحد المقاتلين الذي يرتدي قفازات طبية ولف وشاحاً حول أنفه «هذا نقيب»، مشيراً إلى جثة عنصر من القوات النظامية كسى غبار الجص الأبيض جسده، في ما يعتقد أنه ناجم عن الانفجار الذي أودى بحياته. وتقوم جرافة بدفن الجثث وسط سرب من الذباب في قبر جماعي على بعد عشرات الأمتار من القاعدة التي قضى في الهجوم عليها نحو 300 عنصر من القوات النظامية، بحسب ما أفاد المقاتلون المعارضون. وقتل بعض هؤلاء الجنود النظاميين «بنيران رفاق في السلاح عندما كانوا يحاولون الانشقاق»، بحسب ما قال أحد المقاتلين المشاركين في الهجوم، وعرف عن نفسه باسم أبو بكر. كذلك، أسر 70 آخرون بينما «استشهد أقل من عشرة متمردين». وقصفت القوات النظامية خلال الأشهر الماضية بالمدفعية وبشكل متواتر، المدن والقرى التي سيطر عليها المقاتلون المعارضون في المنطقة على أطراف محافظتي حلب (شمال) وإدلب (شمال غرب)، ما ساهم في تأجيج ضغينة السكان ضد النظام. ويعتبر المقاتلون المعارضون أنهم حققوا «نصراً كبيراً للثورة» بسيطرتهم على الفوج 46، بحسب العميد المنشق محمد أحمد الفج الذي قاد الهجوم. وأضاف: «إنه أكبر انتصاراتنا منذ بداية الثورة» مع اندلاع الاحتجاجات المطالبة بإسقاط نظام الرئيس بشار الأسد. ويمثل سقوط الفوج 46 «التحرير» شبه الكامل لجزء كبير من ريف إدلب. وأصبحت الطريق السريعة من الحدود التركية حتى حلب محررة بالكامل. واستقر خط المواجهة على امتداد سبعة كيلومترات على الطرف الغربي من حلب. ولا يزال النظام يحتفظ بقاعدة مهمة في المنطقة وهي كتيبة الدفاع الجوي في الشيخ سليمان التي تبعد نحو 25 كلم إلى الشمال الغربي من حلب، والتي نجحت القوات النظامية في صد هجوم للمقاتلين للسيطرة عليها. ويعني سقوط الفوج بالنسبة للقوات النظامية، خسارة الكثير من العتاد الذي استولت عليه الوحدات المقاتلة التي شاركت في الهجوم. وتم نقل نحو 12 دبابة ت-72 روسية الصنع ومدافع هاون وقاذفات صواريخ ومدافع ثقيلة على بعد نحو ثلاثين كيلومتراً من القاعدة نحو مركز باب الهوى الحدودي مع تركيا، حيث تتمركز كتائب عدة للجيش السوري الحر. وتخضع القاعدة حالياً إلى القائد نظام بركات وعناصره التابعين ل «كتيبة شهداء الأتارب» المتحدرين من المدينة المجاورة التي تحمل الاسم نفسه، والذين يمنعون الفضوليين والمختلسين من الدخول. ويقوم المقاتلون المعارضون وبعضهم على متن دراجة نارية، بجولة في هذه القاعدة، من المرأب إلى قاعة الرياضة ومطعم الضباط الذي تم تفتيشه في شكل واسع. وفتحت جميع المكاتب وتم رمي محتويات الخزائن أرضاً. وتملأ المكان صور للرئيس الأسد بالزي الرسمي وبصحبة عائلته، وهو يمتطي جواداً أو يرتدي نظارة سوداء. ولا يتوانى المقاتلون عن الدوس عليها أو حتى تمزيقها.