النزاع في غزة يدور في فلك نظام إقليمي جديد، إثر تداعي النظام القديم. لكن النظام الجديد لا يزال غامض المعالم ولم تمتحنه الازمات بعد. والى وقت قريب، جمعت أهداف مشتركة ترمي الى حفظ الاستقرار وتحفيز النمو الاقتصادي بين الولاياتالمتحدة وحلفائها في المنطقة، على رغم تباين وجهات النظر الى الاستقرار الذي كانت واشنطن ترى انه ثمرة التنمية الاقتصادية والإصلاح ودرجت الأنظمة على رهنه بسياسات الأمر الواقع. وإسرائيل كانت بين أركان هذا الحلف، وتعاونت مع دول في المنطقة في الخفاء والعلن. وسعى الحلف هذا الى ردع إيران وتقييد يد مجموعاتها الارهابية. النظام الاقليمي الجديد في الشرق الاوسط مختلف. والغموض يلف مسائل مثل رؤية الرئيس المصري الى مصالح بلاده القومية. ولا شك في ان شطراً كبيراً من هذه المصالح لا يزال على حاله. فالميليشيات المسلحة في سيناء تستهدف الجيش المصري وإسرائيل على حد سواء. والخوف من التطرف والتشدد في المنطقة يثبط حركة الاستثمار والسياحة التي تمس الحاجة اليها لإنعاش الاقتصاد المصري. وعلى رغم أن حسابات الرئيس المصري السياسية وأيديولوجيا «الاخوان المسلمين» ترفض التعاون مع اسرائيل، انتهج مرسي نهجاً عملانياً. لكن إرساله رئيس الوزراء (هشام) قنديل الى غزة هو صنو ارسال تركيا سفينة «مرمرة» الى غزة في 2010، أي هو أقرب الى الألعاب البهلوانية منه الى الاستراتيجيا. وأزمة غزة تمتحن قدرة مرسي على ترجيح كفة مصالح بلاده على كفة الأيديولوجيا. وتبدو مكانة الولاياتالمتحدة في النظام الاقليمي الجديد على قدر من الغموض. فموقفها الخجول إزاء اضطرابات الشرق الاوسط في العامين الاخيرين وانعطاف نهجها الاستراتيجي الى آسيا، يوحيان بأن اميركا لا ترغب في أداء دور الوسيط في الشرق الاوسط. وينظر بعض قادة المنطقة الى تراجع الدور الاميركي بعين الرضا. وعلى رغم الخلافات بين قادة مصر وإيران، تجمع بينهم الرغبة في انحسار النفوذ الأميركي في الشرق الاوسط. ويشعر حلفاء اميركا بالقلق إزاء عدم قدرتهم على التعويل عليها في حماية المصالح المشتركة. تداعي النظام القديم المترابط خلّف فراغاً تربعت محله تحالفات إقليمية مستقلة أفضت على سبيل المثال الى تدخل مجلس التعاون لدول الخليج في تذليل ازمة البحرين، وبروز سباق بين هذه القوى. وخير دليل على هذا الميل الجديد هو سياسة تركيا. فعوض أن تلتحق بالغرب او الشرق، سعت الى إرساء زعامة اقليمية تقتضي فك تحالفها مع إسرائيل. لكن الأمور قد لا تبقى على هذا المنوال. فالمؤشرات الى انعطاف استراتيجي في المنطقة كثيرة، لكنه قد لا يبصر النور، وحري بواشنطن أن تتوسل حل أزمة غزة لتعزيز مكانتها في المنطقة وشد أواصر تحالفاتها. وهي مدعوة الى تأييد اسرائيل على ما فعلت حين اعلنت حقها في الدفاع عن النفس. وراء الأبواب المغلقة، يجب ان تساعدها على تحديد اهداف محددة للعملية والمسارعة الى تحقيقها. وحين يتوقف القتال، تبرز الحاجة الى ان تصوغ (واشنطن) وإسرائيل مقاربة واقعية إزاء غزة والنزاع الإسرائيلي – الفلسطيني. وعلى رغم اختلاف وجهات نظر قادة المنطقة الجدد الى توازناتها، حري بواشنطن أن تذكرهم بالمصالح الاستراتيجية المشتركة في حوارات ثنائية. ومن هذه المصالح، التصدي للارهاب والدعم الايراني للنظام السوري. وواشنطن مدعوة الى مطالبة الحلفاء بالتزام هذه المصالح في الازمات وعدم الاكتفاء بالإقرار بها وراء الأبواب الموصدة. فالمساعدات الاقتصادية والعسكرية الاميركية ليست أعمالاً خيرية ولا مكافأة على خدمة المصالح الاميركية، بل هي جزء من ادوات سياسية لتعزيز المصالح المشتركة. ويجب أن تؤدي الولاياتالمتحدة في مجلس الأمن دوراً ريادياً في المنطقة خلال الأزمة. ولحمل الحلفاء العرب على حضّ «حماس» على وقف التصعيد وجبه المجموعات الارهابية في غزة. * مدير «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى» مسؤول سابق في مجلس الأمن القومي الأميركي، عن «فورين بوليسي» الاميركية، 16/11/2012، اعداد منال نحاس