يواجه الرئيس أوباما مصاعب كثيرة في التخفف من تركة أسلافه في الشرق الأوسط، أي حرب العراق وتعثر عملية السلام. وثمة جانب من الإرث هذا يتصل بالنظرة الى مشكلات المنطقة. والجانب هذا يعوق نجاح سياسات أوباما. فشأن الإدارات السابقة، تنظر الإدارة الأميركية الحالية الى الشرق الأوسط على أنه منقسم الى معسكري المعتدلين الموالين للولايات المتحدة و«المناضلين» المتطرفين، وايران على رأس المعسكر هذا. ولكن التقسيم يفترض أن ثمة حدوداً واضحة وفاصلة بين المعسكرين، وأن التقسيم راسخ وثابت، بينما التحالفات في المنطقة سائلة ومنقسمة ومتذررة. وقد تفوّت إدارة أوباما فرص الإسهام في اعادة تشكيل وجه الشرق الاوسط، إذا تمسكت بهذا النهج الجامد. والتغيرات، في الاعوام الأخيرة، أسهمت في «تمييع» الخطوط الفاصلة بين المعسكرين. فقطر رعت إبرام اتفاق لبناني داخلي، في أيار (مايو) 2008، وباشرت تركيا وساطة بين اسرائيل وسورية. ولا تنتمي كلتا الدولتين الى المعسكرين المذكورين، وتربطهما علاقات بهما. واستؤنفت علاقات التعاون بين الرياضودمشق، بعد أعوام من قطيعة مردها الى طعن المملكة السعودية وواشنطن في السياسات السورية. وأجمعت، أخيراً، الرياضودمشق على ادانة التدخل الايراني في اليمن، ومعارضة رئيس الوزراء، نوري المالكي، على رغم أن واشنطن تؤيده (المالكي). ولم تنظر طهران بعين الرضا الى الموقف السوري من دورها في اليمن. واستأنفت الرياض العلاقات مع «حماس». ويبدو أن سورية ضاقت بدوران الاهتمام على ايران وحدها. فبدأت تتقرب من قطر وفرنسا وتركيا. وتشترك دمشقوطهران في شن حرب بالوكالة في العراق من طريق استمالة عدد من الحلفاء ودعمهم، واستعداء آخرين. وفي لبنان، عينت دمشق سفيراً لها في بيروت. والانقسام بين اللبنانيين كان، الى وقت قريب، مرآة أمينة لانقسام الشرق الاوسط الى معسكري المعتدلين والمتطرفين. ولكن الانقسام بين المعسكرين السياسيين هذين لم يعد واضح المعالم. ومواقف دول «محور الاعتدال»، وأبرزها مصر والمملكة السعودية والاردن، متباينة، ولا تجمع بينها أنظمة سياسية مشتركة أو موقف واحد من التشدد الديني والتعاون مع اسرائيل. وتواجه مصر تحديات كبيرة تضعف مكانتها، أبرزها تحول السودان الى دولة فاشلة، وتعاظم نفوذ المعارضة الاسلامية، والاستياء الشعبي من سياستها إزاء غزة، وفقدان عملية سلام صدقيتها، وغموض ملامح الخلافة الرئاسية. وأخفقت الولاياتالمتحدة في صوغ رؤية متماسكة لا تقوم قائمة لمعسكر الحلفاء من غيرها. وليس التنافس اليوم في الشرق الاوسط بين محور يوالي إيران وآخر يؤيد اميركا، بل بين رؤيتين سياسيتين، ايرانية وتركية. فإيران ترفع لواء مقاومة اسرائيل والغرب والتعاون العسكري في منطقة يتوق ابناؤها الى استعادة كرامتهم. وعلى خلاف إيران، تنتهج تركيا نهجاً يولي المساعي الديبلوماسية الاولوية، ويبرز أهمية التعاون بين مختلف الاطراف والاندماج الاقتصادي. فإيران وتركيا هما قوتان اقليميتان بارزتان و «صاعدتان» في المنطقة تتوجهان الى شارع عربي غاضب من اسرائيل، وساخط على قادته. ويعزز غياب بديل أميركي عن الوجهتين هاتين نفوذ الدولتين. فالمنطقة تترجح بين النهجين هذين، وتنظم نفسها، في ظل غياب نهج اميركي واضح. ويبدو أن واشنطن تغفل أهمية التغيرات هذه، وقراراتها تستند الى نظرة فائتة الى العالم. فكيف يستقيم سعي الادارة الاميركية في هزيمة المتطرفين وتعزيز مكانة المعتدلين بالشرق الاوسط، في وقت تتقرب المملكة السعودية من دمشق، وتستأنف الحوار مع «حماس»؟ وما هو مقياس نجاح سياسة واشنطن في حمل سورية على «اعادة التموضع» استراتيجياً، في وقت بادر نظام دمشق الى خطوات متناقضة؟ فهو رفع وتيرة مد «حزب الله» بالسلاح، وطبّع العلاقات الديبلوماسية بلبنان، ويتباهى بحلفه طهران، ويدين التدخل الايراني في اليمن والعراق. وإذا تمسكت واشنطن بالنظرة الفائتة الى الشرق الاوسط، ضعفت قدرتها على التأثير في سير الامور. فهي ارتضت أن تكون في موقع المتفرج من خطوات أقدمت عليها سورية وتركيا والمملكة السعودية. ولن يكون في وسع واشنطن الحؤول دون وقوع مواجهات في المنطقة بين «حماس» واسرائيل في غزة، أو بين اسرائيل و «حزب الله» في لبنان، أو تجنب تعاظم النزاع بين اسرائيل والفلسطينيين على القدسالشرقية. والرئيس أوباما مدعو الى أن يترك الاستكانة الى قناعات موروثة، وأن يتخفف من الرؤية الماضية الى أوضاع الشرق الاوسط. فالنجاح لن يكتب لسياسات تستند الى الرؤية هذه. * تباعاً، مدير مشروع الشرق الاوسط في «انترناشينل كرايزس غروب»، ومدير المشروع في العراق وسورية ولبنان، عن «واشنطن بوست» الاميركية، 6/3/2010، اعداد منال نحاس