لا يمكن نسيان تلك العيون المحدقة في الدالف إلى حديقة دار المسنين في الرياض، فالنظرات النابعة من أحداقها يصعب تفسير تعقيدات معانيها، نظرات تمزج الشوق إلى عزيز والخوف من خطف أمل ولد قبل وهلة. نظرات أقرب إلى الصرخات الصامتة من غربة إجبارية، عيون تنطق «مضاضة» من آثار جراح لا تندمل. حال فريد من التناقض. فمع حرارة القلوب من جور الأحبة، تبقى للهفة سطوتها في الأفئدة ذاتها. لا شيء يمكنه تفسير هذا التناقض إلا لغة «الحنان» و«الحنين» التي لا يفهمها سوى هؤلاء المقيمين هنا في دار المسنين، الذين يعيشون أيامهم وسنواتهم الأخيرة في غربة. ليست غربة مكان أو زمان، بل غربة إحساس بوجودهم. يعيشون مع الذكرى والأمل وقسوة الحياة وظلم ذوي القربى، وكم هي قاسيةٌ حياة يستلذ فيها الإنسان باستعادة ذكريات مع ظلاّمه، وكم هم مجحفون أولئك الذين لم يجدوا غرفة لآبائهم في منازلهم، بينما وجدوا غرفاً لخدمهم وألعاب أطفالهم. هناك في دار المسنين، حيث يقضي بضعة وسبعون شيخاً ما تبقى من حياتهم «غرباء»، لا طعم للحياة، إلا بالانتظار، انتظار أن يتذكرك من جحد إحسانك ليعطف عليك... شيوخ سرقت منهم حيواتهم، وما أبشع أن تسرق حياة شخص قبل أن تنتهي أيامه. حسان أبو صلاح