عبارة يرددها أناس تملأ الحسرة قلوبهم على ربيع العمر الذي داهمته سحب الخريف.. وأصبحوا يئنون من الجراح التي أحدثتها مخالب الزمن، وتركت آثارها محفورة على صفحات وجوههم بل على كل جزء من أجسامهم.. تلك العلامات التي تنذر بالنهاية المحتومة... فما أحوجهم إلى من يسكّن تلك القلوب الوجلة.. ويدفئ تلك الأجسام التي كادت أن تتجمد من صقيع البرد العاطفي. بعد أن أفرغت كل ما لديها من طاقات لتصنع منها حياة هانئة للآخرين.. في إحدى الأمسيات جلست أمام امرأة مسنة تربطني بها قرابة، رأيتها منذ سنوات كانت في تلك الأيام ما زالت تتمتع بجزء من الصحة حتى ما أن تجلس معها إلا وتسرد عليك صفحات كاملة من ملف حياتها بما تحمله من ذكريات ملونة أو رمادية... أما اليوم فهي كومة من العظام البالية تكسوها طبقة متهالكة من الجلد؛ لكنها ترقد في أمن وسلام كأنها الطفل في مهده.. تأملتها ورددت (ومن نعمره ننكسه في الخلق) إنها تحظى باهتمام ورعاية ابنتها وأحفادها رغم المتاعب التي تعانيها ابنتها؛ لكن العبارة التي ترددها (لقد ربتني صغيرة وأنا أربيها كبيرة) فهنيئاً لهذه الابنة التي لم تتنكر للجميل... هنا بدأت أسأل نفسي ماذا قدمت الحضارة الحديثة والتقدم التكنولوجي لهذه الشريحة من المجتمع؛ لأن هناك الكثير من أمثال هذه الحالة لا ينالهم إلا الإهمال والتضجر منهم؛ وقد يكون مصيرهم حاويات المسنين الذين انتهت صلاحيتهم عفواً سادتي أقصد دور المسنين. بالأمس رغم بساطة الحياة وشظف العيش؛ لكنهم يحملون قيماً عالية، ومن تلك القيم شعار رددوه وعملوا به وهو (إن الكبار في السن بركة في المنزل) وهذا الشعار لم يأت من فراغ؛ وإنما يستند إلى قول الله تبارك وتعالى: {وبالوالدين إحسانا..} ولكن حضارة اليوم التي أوصلت الإنسان إلى الفضاء جعلته ينسى تلك القيم فأف لحضارة تسحق القيم بقدميها... ولا تظنني ياعزيزي عدوة للحضارة بل على العكس أنا من عشّاق الحضارة ومبدئي هو تجدد حتى لا تتبدد؛ ولكني أعشقها حضارة مستمدة من الشريعة المحمدية وليست من عقول وأفكار غربية بعيدة عن الإسلام... يا أخي لنناقش ماذا وضعنا لغدنا من برامج؛ لأننا ما نقدمه اليوم باسم المسنين فسوف يكون غداً لنا إن طال بنا العمر... الغرب أوالعالم وضع له برامج بما يناسبه ونحن نضع لنا برامج بما يناسب طبيعتنا فهل نحن قدمنا لفئة المسنين ما يفي أقل حقوقهم.. فنحن نفتقر إلى وجود مثل هذه المراكز والمؤسسات التي تعنى بالمسنين؛ والتي قد تكون متوفرة في الوطن العربي مع وجود قصور كبير في مختلف مرافقها وتقصير من أسرة المسن. ومن هذا المنطلق أخرج ببعض التوصيات والتي هي من وجهات نظر متعددة: - العودة إلى القيم والمبادئ المستمدة من الشريعة الإسلامية السمحاء. - أن ينعم المسنون بجو أسري وأن يحظوا بالرعاية التي يحتاجونها. - أن تنشأ مراكز ومؤسسات داخل المجتمع نفسه لتقدم المساعدة الاجتماعية والصحية والنفسية للمسن؛ سواء كان داخل الأسرة التي تتكفل بأفرادها المسنين في حال احتياج الأسرة للدعم والمساعدة. - أن توجد دور ومؤسسات تحتوي المسن إذا كان للأسرة ظروف تجعلها غير قادرة على حماية المسن أو خدمته.. وإن توجد أنظمة تلزم أفراد الأسرة بزيارة المسن والتواصل معه وعدم قطيعته.. * من خلال المراكز والمؤسسات تعقد برامج لتوعية الأسرة بدورها تجاه المسنين. * أن يتحول اليوم العالمي للمسنين إلى برامج وخدمات فعليه بدلاً من لا فتات وشعارات تعلق هنا وهناك، ومن ثم تذهب أدراج الرياح... فما نعيشه على أرض الواقع أو نسمعه هو زفرات وأنات المسنين وهم يرددون آآآه يا زمن.. فدعونا نحمي أنفسنا من ترديد هذه السيمفونية غداً، ولنذكر أنفسنا بأن ما نزرعه اليوم سنجنيه غداً.. وأن نبر آباءنا حتى يبرنا أبناؤنا.. ويكفي المرء حسرة أن يندب الشباب الذي ولى وراح..